تعدد الطرق السالكة إلى غيره، وتسمى (بصيرة) من حيث هي مشعة بالنور، الذي يكون سبباً في تبصير الأعين الواقعة عليها، ولذلك وصف الله الآيات في سياق آخر بأنها (مُبْصِرَة) على صيغة اسم الفاعل، فنسب الإبصار إليها من حيث هي سبب فيه، كما في قوله تعالى:{وجَعَلْنَا آيةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}[الإسراء:١٢]، أي: مضيئة للأشياء، ومسببة بذلك للأعين في الإبصار.
إلا أن الموضوع المقصود عندنا هاهنا هو: الإبصار النفسي، أو الإبصار القلبي، لا إبصار الجوارح، فالنفس الإنسانية (جسم) روحاني سوي، له جوارحه النفسانية، المفارقة للبدن. وإنما البدن لباسها الخارجي، قال تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}[الشمس:٧]، فإبصار النفس، أو إبصار القلب هو الذي يصاب بالعمى عن الغفلة، ويعالج بالتذكر، قال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}[الأعراف:٢٠١]، وقال سبحانه:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:٤٦].
وعليه يحمل معنى قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ}[النمل:١٣]، وقوله عز وجل:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}[الإسراء:٥٩]، فالآيات مُبْصِرَةٌ بمعنى مُبَصِّرَة، فهي لذلك بصيرة، والبصيرة: هي الثقب الذي يجعل في