صورة (بلاغ) رباني، هذا مصطلح مهم؛ للتعرف على طبيعة القرآن: إنه (بلاغ) فيه دلالة عميقة على (قصد التبليغ) لمضمون الرسالة؛ حتى يتم العلم بها على التمام عند من قُصِدوا بالتبليغ والإعلام. ذلك أن (البلاغ) في العربية يرد بمعنى (التبليغ والإبلاغ)، جاء في لسان العرب:(والبَلاغُ: الإِبْلاغُ. وفي التنزيل:{إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ}[الجن:٢٣]؛ أَي لا أَجِدُ مَنْجى إِلا أَن أُبَلِّغَ عن اللهِ ما أُرْسِلْتُ به، والإِبلاغُ: الإِيصالُ، وكذلك التبْلِيغُ، والاسم منه البَلاغُ)(١)، ومن هنا كان (البلاغ القرآني) جامعاً للمعنيين معاً: البيان والتبيين، فهو (بلاغ)؛ أي بيان إعلاني في نفسه، يوصل إلى الناس بنصه مجموعة من العقائد والمبادئ، وهو (بلاغ) أيضاً: أي تبيين رسالي من حيث هو حركة في المجتمع، يقوم بها الرسول ومن ينوب عنه من الدعاة، والعلماء المصلحين؛ لتبليغ مضامينه وإيصال نصه إلى الناس أجمعين؛ حتى تشمل الرسالة كل العالمين؛ ومن هنا قوله عز وجل:{هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب}[(إبراهيم:٥٢].
- إنه بلاغ قادم من عالم الغيب، من فوق سبع سماوات، إلى عالم الشهادة، إلى الإنسان المتحرك فوق هذه الأرض،