للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مربوط بالفناء إلى رمح. وكانت الهاجرة، فعدلت إلى الخباء فاستظللت بظله ولا يعلم أهله. فسمعت قائلاً يقول: أما آن طعامنا؟ فأجابته جاريته من كسر البيت: بلى إذا شئت، فقال لها: هاته، فقدمت إليه طعاماً كانت قد أعدته، فلم يأكل. فقالت: مالك ممتنعاً وقد استعجلتني فيه؟ فقال:

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلاً فإني لست آكله وحدي

بعيداً قصياً أو قريباً فإنني ... أخاف مذمات الأحاديث من بعدي

قال: فخرجت الجارية تنظر يميناً وشمالاً، فحانت منها التفاتة، فقالت: قم من الله على مولاي بك، ولولاك لم يأكل شيئاً حتى يموت. فأخذت بيدي فأدخلتني إليه. فاستدناني إلى طعامه، فأقبلنا نأكل وأنا أقصر وهو يلاحظني شزراً، ثم انهملت عيناه بالدموع. ثم قال:

كيف احتيالي لبسط الضيف من حصر ... عند الطعام فعدته به حيلي

أخاف تكرار قولي كل فاحشة ... والصمت ينسبه مني إلى البخل

فقلت: تالله ما رأيت أكرم منك، فمن أنت؟ قال: أنا زيد بن بهزة الأسدي، فقلت: أنشدني أبياتاً أرويها عنك، وأشيد بها إليك، فقال: اكتب؛ فأنشدني:

يقول الفتى: ثمرت مالي وإنما ... لوارثه قد يثمر المال كاسبه

يحاسب فيه نفسه في حياته ... ويتركه نهباً لمن لا يحاسبه

فكله وأطعمه وجالسه وارثاً ... شحيحاً ودهراً تعتريه نوائبه

يجيب الفتى من حيث يرزق غيره ... ويعطي المنى من حيث يحرم صاحبه

قال: فخرجت من عنده وقد حصلت ثلاث فوائد هي أحب إلي من الهنيدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>