للعرب إقدام على الكلام، وتوسع وهجوم على جليل المعاني ودقيقها، حتى إنهم ليخرجون بكلام من رفع إلى نصب وخفض. ومن نصب إلى خفض ورفع. ومن خفض إلى رفع. ومن مذكر إلى مؤنث. ومن مؤنث إلى مذكر بالإضافة. كل ذلك لاقتدارهم على الفصاحة والإبانة؛ فهم مفصحون كيف نطقوا، ومصيبون بما أطلقوا.
وهم يطيلون إذا كانت الإطالة أوضح للإبانة، ويوجزون حيث يغني الإيجاز عن الإطالة. وبكل ذلك جاء كتاب الله، عز وجل؛ لأنه نزل بلسانهم. فمن تصفح كلامهم، وتصحح معانيهم، وقف على أفصح كلام، وعرف أحسن معان وأوضح بيان.
وهم، لثقتهم بفهمهم عن بعضهم بعض، يتكلمون فيما بينهم كيف شاؤوا وبما شاؤوا، وهو مفهوم عنهم، ومعلوم منهم، وهذه فضيلة أيضاً لهم.
وقد سمت العرب القطاة بصوتها حين تهيأ لها ثلاثة أحرف: قاف وطاء وألف .. فكان ذلك هو صوتها سموها به. ثم زعموا بعد ذلك أنها صادقة في تسميتها نفسها قطا.
وقال الشاعر يذكرها:
وصادقة ما خبرت، قد بعثتها ... طروقاً، وباقي الليل في الأرض مسدف
فجعلها مخبرة، وجعل خبرها صدقاً حين زعمت أنها قطاً، وإن كانت القطاة لم ترد ذلك. ولكن هذا توسع منهم في كلامهم.