قلنا: لا بل كل الواجب أصل، يبينه أنه وجب في كل واحد من الركعتين الأخراوين من الفعل ما وجب في الأوليين، دل أنهما أصل مثل الأوليين. والخبر الذي رووه عن عائشة فليس في دليل، لأنه يجوز أن يجب من بعد ويصير أصلاً مثل الأول كالشرائع التي وجبت شيئاً فشيئاً صارت كلها أصولاً وأركاناً.
فإن تعلقوا بالسقوط في السفر فليس بشيء، لأن الركعة الثالثة في صلاة المغرب لا تسقط وليست بأصل على ما زعموا، ولأن عندنا ما سقط ولكن القصر رخصة كما أن الإفطار رخصة.
وأما قولهم:((إنه وجبت الركعتان الأخروان على طريق الخفة)).
قلنا: ليس لهم على هذا دليل سوى حذف السورة منهما، وهذا ممنوع على أحد القولين فإنه يشرع قراءة السورة فيهما كما يشرع في الركعتين الأوليين، وعلى أنه لا يدل شرع الخفة من هذا الوجه على سقوط أصل القراءة، فإنه قد شرع في الركعة الثانية في الصبح على أصلهم نوع خفة حتى إنه لا يطول فيها ما يطول في الأولى، ومع ذلك يجب القراءة فيها مثل ما يجب في الأولى.
وأما الذين تكلموا به على فصل التمييز بين العادة والعبادة من إلزام فصل التشهد الأول.
قلنا: وجب التشهد في الجملة، فإنه إن لم يجب الأول فقد وجب الثاني وعلى إنه خرج عن هذا الأصل بالنص الوارد في إسقاط وجوبه على ما عرف.