أمر به فهو سنة وأدب من آداب الشرع، والقراءة ركن، بدليل أنه لو قرأ بغير تدبر جازت صلاته، ولو سكت غير مستمع تجوز صلاته عندكم، ولو ترك القراءة أصلاً بطلت صلاته، وإذا كان الاستماع من سنن القراءة وآدابها، فلا يجوز أن يقام مقام أصل القراءة.
والدليل على أن الاستماع ليس بأصل أن الشرع ورد بالإسرار تارة وبالجهر أخرى فلا يتصور الاستماع مع الإسرار، وبهذا يفارق الخطبة، فإن الاستماع هناك لما كان أصلاً لم يرد الشرع فيها إلا بالجهر، وهذا لأن الصلاة بأركانها كلها مؤداه لله تعالى، وليس بخطاب لأحد من الخلق حتى يشرع استماعهم على صف الوجوب. نعم هو أدب وسنة في حال الجهر تعظيماً للقرآن، وإذا كان مؤداه لله تعالى من المصلى فلا خلل فيها سواء اتصل به الاستماع أو لم يتصل، بخلاف الخطبة فإنها خطاب للناس وعظة لهم، فإذا لم يوجد الاستماع اختل أمر الخطبة فثبت بمجموع هذا الكلام، أن الاستماع لا يجوز أن يكون خلفاً عن القراءة بحال، والقراءة ركن فإسقاطها بالإتباع والاقتداء إلى غير خلف لها في معناها لا يجوز. وقولهم ((أن الجهر هو الأصل)).
قلنا: لا بل لو قلب وقيل أن الإسرار هو الأصل كان صحيحاً بل الأصح أن القراءة أصل أمر بها بوصفي الإسرار والإخفاء لتختلف تارات القارئ، ويشتمل وصف العبادة كما تختلف أحوال المصلى من انتقالاته من قيام إلى ركوع إلى سجود إلى قعود، ويشمل وصف العبادة جميعها، فأما أن يجعل أحدهما أصلاً والآخر مأموراً بعارض فليس عليه دليل.
ألا ترى أن الإسرار قد ورد به الشرع في صلاة المغرب والعشاء الآخرة فيما زاد على الركعتين، فدل أنه ليس الأمر على ما زعم.