أنه ما أدخل عباده في شيء إلا وقد جعل لهم مخلصاً، وهو معنى قوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.
وجواب آخر نقول:
إن الحرج الذي قالوه نادر، والشرع العام لا يجوز أن يوضع بحرج نادر، وخرج على هذا تقديم النية، لأنه حرج عام فجاز وضع الشرع العام بالحرج العام، ولئن أمكن تصوير مثل هذه الأعذار النادرة واستخراجها بالمناقيش فيمكن مثل ذلك فيما بعد الزوال، وبالإجماع هو ساقط، ثم نقول تخريجاً لفصل تقديم النية على ما سبق من التحقيق: وهو أن العزيمة على فعل في المستقبل صحيح سواء أكان ذلك الفعل متصلاً بالعزيمة أو متراخياً عنها، فأما إثبات العزيمة على فعل يفعله في الماضي فلا يجوز بحال، وهذا لأن الفعل لا يتصور في الزمان الماضي، والعزيمة لا تتصور أيضاً على الفعل أيضاً في الزمان الماضي.
وقد قال مشايخهم: إن الصوم مستحق عليه مع فوات النية من الليل بدليل أنه لا تجوز نية التفل، وإنما لم يجز لاستحقاق صوم الفرض عليه، وإذا كان صوم الفرض مستحقاً عليه فإذا فعله وجب أن لا يجوز، لأنه لا يتصور أن يكون الشيء مستحقاً عليه، وإذا فعله لم يجز.
ونحن لا نسلم ذلك، وإنما نقول: أصل الاستحقاق قائم ليقضيه في يوم آخر، فأما أن يستحق عليه الصوم في هذا اليوم وقد فاتته النية من الليل فلا نقول بحال.
وأما قولهم:((إنه لو نوى النفل لا يجوز)).
قلنا: لم يكن عدم الجواز لما قلتم، بل، لأنه نوى النفل لا في وقت النفل، والله تعالى قد عين للنفل لوقتاً، وللفرض وقتاً فلا يجوز واحد منهما إلا في وقته، والله تعالى أعلم.