وأما المعنى: فلأن اليوم إنما صار محلاً للصوم، لأنه بياض نهار.
والدليل عليه: أن الصوم عبادة كف النفس عن قضاء الشهوات وإنما يكون عبادة بالكف عن قضاء الشهوات في زمان قضاء الشهوة والنهار زمان قضاء الشهوة، فأما الليل هو زمان الاستراحة ولأن العبادة عبادة مخالفة النفس الأمارة بالسوء، ومخالفة النفس بفعل على خلاف العادة أو بكف خلاف العادة، وذلك بكون وجوده في النهر دون الليالي.
فثبت أن ما به صار الصوم صوماً موجود في هذه الأيام إلا أنه نهى عن الصوم فيها لمعنى في غير الصوم وهو تحقيق إجابة الداعي فإن الناس أضياف الله تعالى في هذه الأيام، وقد دعاهم إلى الأكل لتحقيق الضيافة ونهاهم عن الصوم لتحقيق الإجابة وإذا كان النهي لمعنى في غيره لم يوجب فوات الصوم أصلاً أو خروج الأيام عن محلية الصوم، وهذا كالصلاة في الأرض المغصوبة، وكالبيع وقت النداء، والطلاق زمان الحيض، والإحرام وقت الوطء.
قالوا: وقولكم: ((إن الصوم في هذه الأيام معصية)).
قلنا: بلى، ولكن معصية لغيرها لا لعينها مثل الصلاة في الأرض المغصوبة، وكالبيع وقت النداء إذا كانت معصية لغيرها لا لعينها لم يوجب ذلك انتفاء الصحة مثل هذه المسائل.
وربما يقولون: الصوم في هذه الأيام مشروع بأصله لا بوصفه، ومعنى قولنا:((مشروع بأصله)) لأنه مشروع من حيث أن اليوم يوم.
ومعنى قولنا:((إنه غير مشروع بوصفه)) فإنه غير مشروع من حيث أن اليوم يوم عيد أو يوم فطر وأكل، والعيد وصف اليوم، إلا أنه وصف لا يزايل اليوم فمن حيث أنه وصف العيد كان الصوم غير مشروع فصار فعله معصية، واتصف بالحظرية والقبحية ومن حيث أصل الصوم.