والمعنى: أن وقوع الحج المنوي عن فريضة نوع نظر من الشرع للعبد، وقد ورد مثل هذا النظر في الحج بدليل أنه لو أطلق النية، فإنه يقع عن الفرض ونية المطلقة ونية النفل واحد لأنه ليس للنفل وصف زائد على مطلق العبادة.
وقولهم:((إنها نفل)) معناه ليس بفرض، ولهذا المعنى في جميع العبادات إذا أطلق النية تقع عن النفل، ولكن إذا أطلق نية الحج يقع عن الفرض نظراً من قبل الشرع، كذلك إذا طاف النفل وعليه فريضة الطواف يقع عن الفرض أيضاً، وإنما كان هذا التخصيص من النظر للعبد في أمر الحج، لأنه عبادة شاقة ويحتاج في أدائها إلى كلف شديدة وقطع شقة بعيدة، وتحمل مؤنات كثيرة على ما ورد به نص الكتاب فقال تعالى:{لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ}، ولا يجوز أن يقال: إن هذا في حق بعض الناس دون البعض، لأن هذا موجود في حق أكثر الناس وإنما يوجد العدد اليسير حضوراً لحضرة الكعبة.
فأما عامة الناس فإنهم يدانونه من البعد ويضربون أكباد الإبل ويقطعون المفاوز البعيدة والبراري الشاسعة حتى يصلون إلى الحج فاحتاج لهذا المعنى من عليه الحج إلى نوع نظر من قبل الشارع فكان من النظر أن منع من عليه فريضة الحج أن يقصد النفل منه وعين عليه الفرض ثم اكتفى منه بنية أصل الحج وألغى كل وصف يضمه إليه مما لا يلائم صفة الواجب عليه من وصف نفل أو نية عن الغير أو نية نذر وما أشبه ذلك فصار الحج في هذه الصورة مثل الإسلام المفروض ولو أسلم بنية النفل أو أسلم عن الغير فإنه يكون إسلامه عن الفرض الذي عليه بكل حال، كذلك ههنا.