وما أشبه هذا من كتاب الله كثير، ولو لم يكن منها في كتابِ اللهِ إلا حَرْفٌ واحدٌ لاكْتُفِىَ به حجةٌ بالِغَةٌ، فكيف والكتابُ كُلُّه ينطق بنصه يستغنى فيه بالتنزيل عن التفسير، وتعرفه العامة والخاصة.
فلم تزل عليه الأُمَّةُ، إلى أن نَبَغَتْ هذه النابغة بين أظهر المسلمين، فأعظموا في الله القول، وسبوه بأقبح السِّبَابِ وجَهَّلُوُهُ، ونَفَوا عنه صفاته التي بها يُعرف صِفَةً صفة، حتى نَفَوا عنه العِلْمَ الأول السابق، والكلام، والسمع والبصر، والأمرَ كُلَّهُ، ثم جعلوه كَلاَ شَيْءٍ.
فقالوا في الجملة: ما نعرف إلهاً غير هذا الذي في كل مكان، فإذا باد شيءٌ صار مكانه، فنظرنا في صفة معبودِهِم هذا، فلم نجد بهذه الصفة شيئًا غير هذا الهواء القائِمُ على كلِّ شيءٍ، الداخِلُ في كلِّ مكانٍ، فمن قصد بعبادته إلى إلهٍ بهذه الصفة؛ فإنما يعبدُ غيرَ اللهِ، وليس مَعْبُودُهُ ذاك بإله -كُفْرَانَهُ لا غُفْرَانَهُ-.
فاحذروا هؤلاء القوم على أنفسكم، وأهليكم، وأولادكم؛ أن يفتنوكم أو يكفروا صدوركم بالمغاليط والأضاليل، التِي تشتبه على جُهَّالِكُم فإن الله تعالى قال في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)} [التحريم: ٦].