قال أبو سعيد رحمه الله: ثُمَّ إِنَّ ناسًا ممن كتبُوا العِلمَ بِزَعْمِهِم وادَّعُوا مَعْرِفَتَهُ، وقَفُوا في القُرآنِ، فقالوا: لا نقولُ مخلوقٌ هو، ولا غير مخلوق، ومَعَ وُقُوفِهِم هذا لم يَرضُوا حتَّى ادَّعَوا أنهم يَنْسِبُونَ إِلَى البِدعَةِ مَنْ خَالَفَهُم، فقال بِأَحد هذين القولين.
فَقُلْنا لهذه العِصَابة: أَمَّا قَولُكُم مُبتدعٌ؛ فَظُلْمٌ وحَيْفٌ في دَعواكُم حتَّى تَفْهَمُوا الأَمْرَ وتَعقِلُوُه؛ لأنكُم جَهِلْتُم أَيَّ الفَريقينِ أَصَابُوا السُّنةَ والحقَّ، فيكونُ مَنْ خَالفَهُم مُبتدعةٌ عِندَكُم، والبِدعةُ أمرُها شَديدٌ، والمنسوب إليها سيء الحالِ بين أَظْهُرِ المسلمينَ، فلا تَعْجَلُوا بالبدعة حتَّى تستيقنوا وتعلموا أَحَقًّا قال أحدُ الفَرِيقَينِ أم بَاطِلاً؟ وكيف تستعجلون أن تَنْسِبُوا إلى البدعة أقوامًا في قَوْلٍ قَالُوهُ، ولا تَدْرُونَ أنهم أَصَابُوا الحقَّ في قولهم ذلك أم أَخْطَئُوهُ؟! ولا يُمْكِنُكُم في مذهبِكُم أن تَقُولوا لواحدٍ مِنَ الفَرِيقينِ: لم تُصِبِ الحقَّ بقولك، وليس كما قلت.
فَمَنْ أَسْفَهَ في مَذهَبِهِ وأَجَهَلَ ممن يَنْسِب إِلَى البِدْعةِ أقوامًا، يَقولُ لا نَدْرِي، أهو كما قالوا أم ليس كذلك، ولا يَأمنُ في مذهبه أنْ يَكُونَ أَحَدُ الفَريقينِ أَصَابُوا الحقَّ والسُّنةَ، فَسَمَّاهُم مُبتدعة، ولا يأمن في دَعواهُ أَنَّ الحَقَّ بَاطِلاً والسُّنةَ بِدعة!! هذا ضَلالٌ بَيِّنٌ وجَهْلٌ غَير صَغِير.
وأَمَّا قَولُكُم: لا ندري مخلوقٌ هُو أم غَيْرُ مخلوقٍ، فإن كان ذلك مِنكُم قِلَّةُ عِلْمٍ به وفَهْمٍ، فإنَّ بيننا وبينكم فيه؛ النَّظَرَ بما يَدُلُّ عليه الكِتابُ والسُّنةُ وتحتمل العقول.