صِفَاتهِم، فالخَالِقُ بجميع صفاته؛ غَيْرُ مخلوق، والمخلوقُ بجميع صفاته؛ مخلوق، فانظروا في هذا القرآن، فإن كان عندكم صفة المخلوقين؛ فلا ينبغي أن تَشُكُّوا في المخلوقينَ وفي كلامِهِم وصفاتهم؛ أنها مخلوقَةٌ كلها لا شك فيها، فَيَلْزَمُكُم في دعواكم حِيَنِئذٍ أن تقولوا كما قالت الجهمية، فلتستريحوا مِنَ القَالِ والقِيلَ فيه، وتغيروا عن ضمائركم، وإن كان عندكم هو صفةُ الخَالِقِ وكَلامِهِ حقًّا، ومنه خَرَجَ، فلا ينبغي لِمُصَلٍّ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ أن يَشُكَّ في شيءٍ مِنْ صِفاتِ الله وكلامِهِ الذي خَرَجَ منه؛ أنَّه غَيْرُ مخلوقٍ.
هذا واضح لا لَبْسَ فيه، إلا على من جَهِلَ العِلْمَ مِثَالِكُم، ومَا فَرْقُ بينكم وبين من قال هو مخلوق؟ إلا يسير، يَزعمُ أُولئِك أنه كلامُ اللهِ مَضَافٌ إليه مخلوق، وزَعمْتُم أنتم أَنَّهُ كلامُ اللهِ، ولا تَدْرُونَ مخلوقٌ هُو أو غير مخلوق، فإذا لم تدروا؛ لم تَأْمَنُوا في مَذهبِكُم أَن يكونَ أولئِك الذين قالوا مخلوق، قد أَصابُوا مِنْ قَولِكُم، فكيف تَنْسِبُونهم إلى البِدعَةِ وأنتم في شَكٍّ مِنْ أَمْرِهِم، فلا يجوزُ لِرَجُلٍ أن يَنْسُبَ رَجُلاً إلى بِدعةٍ بِقولٍ، أو فِعْلٍ، حتَّى يَسْتَيقِنَ أنَّ قَوْلَهُ ذَلك وفِعْلَهُ بَاطِلٌ لَيْسَ كما يقول، فَلِذَلك قُلْنَا: إِنَّ فَرْقَ ما بينكم يسير؛ لأنَّ أُولئِك ادَّعوا أنه مخلوق، وزُعَمتُم أنتم؛ أنه كلامُ اللهِ، ومَنْ زَعَمَ أنه غير مخلوق فقد ابتدع وضَلَّ -في دعواكم- فإن كان الذي يَزْعُم أنه غيرُ مخلوقٍ مبتدعًا عندكم لا تَشُكُّونَ فيه أنه لَمَخْلُوقٌ عندكم حقًا لا شك فيه، ولكن تَسْتَتِرونَ مِن الافتضاحِ به، مخافةَ التَّشْنِيع، وجَعلتُم أَنْفُسَكُم جُنَّةً ودَلَسَةً للجهمية عند الناس، تُصَوِّبُونَ آراءَهُم، وتُحَسِّنُونَ أَمْرَهُم، وتَنْسِبُونَ إلَى البِدْعَةِ مَنْ خَالَفَهُم.
والحُجَّةُ على هذه العصابة أيضًا؛ جميع ما احتججنا به، من كتاب الله في تحقيقِ كلامِ اللهِ، ومَا رَوَيْنَا فِيِه مِنْ آثارِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَنْ بَعْدَهُ؛ أن القُرآنَ