للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ففيما ذكرنا من ذلك بيانٌ بَيِّنٌ لمن آمن بكتاب الله، وصَدَّقَ بما أَنْزَلَ الله، وقال الله - عز وجل -: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)} [الكهف: ١٠٩] وقال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: ٢٧].

وصَدَقَ، وبَلَّغَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لو جُمِعَ مِيَاهُ بُحُورِ السَّمَاواتِ والأَرْضِ، وعُيُونِها، وقُطِّعَتْ أَشْجَارُهَا أَقْلامًا، لَنَفِدَتْ المياهُ وانْكَسَرَتِ الأَقْلامُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ اللهِ؛ لأن المِيَاهَ والأَشْجَارَ مَخْلُوقَةٌ، وقد كَتَبَ اللهُ عَلَيْهَا الفَنَاءَ عند [انتهاءِ] (١) مُدَّتِهَا.

واللهُ حيٌّ لا يموت، ولا يفنَى كلامُهُ، ولا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا بعد الخَلْقِ كما لم يَزَلْ مُتَكَلِّمًا قَبْلَهُم، فلا يُنْفِدُ المَخْلُوقُ الفَانِي كَلامَ الخَالِقِ البَاقِي الذي لا انقطاع له في الدنيا والآخرة.

ولو كان على ما يذهب إليه هؤلاء الجهمية، أنه كلامٌ مخلوقٌ أُضِيفَ إلى الله، وأن الله - عز وجل - لم يَتَكَلَّمْ بِشَيءٍ قَط، ولا يتكلم بشيء قط، ولا يتكلم، لَنَفِدَ كُلُّ مخلوقٍ من الكلام قبل أن يَنفدَ ماءُ بحرٍ واحدٍ مِنَ البُحُورِ؛ لأنه لو جُمِعَ كَلاَمُ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِم من الجنِّ والإِنْسِ والملائكةِ والطَّيرِ والبَهَائِمِ كُلِّهَا، وجَمِيعُ أَعْمَالِهِم، لِكَتْبٍ بماءِ بحرٍ واحدٍ من البحور، لكُتِب كلُّ ذلك ونِفدَ (٢) قبل أن يَنْفَدَ ماءُ بحرٍ واحِدٍ، ولا عُشْرُ عُشْرِ بَحْرٍ واحدٍ، ولكِنَّهُ كلامٌ لا انقطاع له، فلا يَنْفَدُ ما يَفْنَى (٣)، ويَنْقَطِعُ مَا يَبْقَى!


(١) زيادة ليست في الأصل يقتضيها السياق.
(٢) أي الكلام، والأعمال.
(٣) في المطبوعة «فلا ينفد ما لا يفنى» بزيادة «لا» وبها ليس للكلام معنى، ويبدو أن الذي= ... =قابل المخطوط لم يلتفت إلى أن الناسخ قد ضرب عليها، فأثبتها دون أن يفقهها.

<<  <   >  >>