للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(٢٠٥) حدثنا يحيَى بنُ بُكَيْرٍ المِصْريُّ، حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَس، عن زَيدِ بنِ أَسْلَم، أن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قال:

«مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» (١).

قَالَ مَالِكٌ: «معنَى حَديثِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فيما نَرَى -والله أعلم-؛ أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِن الإسلامِ إلى غَيرهِ مِثْل الزنادقة وأَشبَاهِهَا، فإن أولئك يُقْتَلون، ولا يُسْتتابون؛ لأنه لا تُعرفُ تَوْبَتُهُم، وأنهم قد كانوا يُسِرُّونَ الكُفرَ، ويُعلنُون بالإسلام، فلا أَرَى أَن يُستتابَ هَؤلاءِ، ولا يُقْبَلَ قَولُهُم، وأَمَّا مَن خَرَجَ مِنَ الإِسلامِ إلى غَيرِهِ، وأَظْهَر ذَلكَ؛ فإِنَّه يُستَتَاب، فإن تاب وإِلا قُتِل، وذلك أنه لو كان قومٌ (٢) كانوا على ذلك، رَأَيتُ أن يُدْعَوْا إلى الإسلامِ ويُسْتَتَابُوا، فإن تَابُوا قُبِلَ ذلك منهم، وإن لم يتوبوا؛ قُتِلُوا.

قال مالك: ولم يُعْنَ بهذا الحديث مَنْ خَرَجَ مِنَ اليهودية إلى النصرانية، ولا من النَّصرانية إلى اليهودية، إنما عُنِى بذلك؛ مَنْ خَرَجَ مِنَ الإسلامِ إلى غَيْرِهِ فيما نرى، والله أعلم» (٣).

قال أبو سعيد رحمه الله: فَأيُّ كُفْرٍ أعظم مِنْ كفر قَومٍ رَأَى فُقهاءُ المدينة؛ مِثْلُ سَعدِ بنِ إبراهيم، ومَالِكِ بنِ أَنس أنهم يُقتلون، ولا يُستَتَابُون إِعْظَامًا لِكُفْرِهِم، والمرتد عندهم يُسْتَتَابُ ويُقْبَلُ رُجُوعُه، فكانت الزندقةُ أكْبر في أَنْفُسِهِم مِن الارتِداد، ومن كُفْرِ اليَهود والنصارى، ولذلك قال ابنُ المُباركِ: لأَنْ أَحْكِي كَلامَ اليَهودِ والنَّصَارَى أَحب إِلي مِنْ أَحْكِي كلامَ الجَهْمِيَّة.


(١) مرسل، أخرجه مالك في الموطأ (١٤١٩)، وعنه الشافعي في مسنده (ص ٣٢١)، ومن طريق الشافعي البيهقي في الكبرى (٨/ ١٩٥).
(٢) في المطبوعة «إن قوما» والمثبت من الأصل.
(٣) ذكره مالك في الموطأ عقب الحديث السابق، باختلاف بعض الألفاظ.

<<  <   >  >>