وقد اهتم العلماء في القرن الثالث الهجري بالتَّصَدِّي لهؤلاءِ الزَّائِغَة -أعنِي الجَهمية- الذين هم كما ذكر المصنف أضل من اليهود والنصارى؛ بحيث إنهم قد عطلوا صفات الرب تبارك وتعالى، فجعلوه كالعدم، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون عُلوًا كبيرًا.
وكان مما يُمَيِّزُ هذه الحِقْبَةَ الزمنية في التصنيف؛ سهولةُ العبارة، والبعد عن التعقيد والتَّكلُّف، واستخدامِ اصطلاحات المناطقة والفلاسفة وعلماء الكلام، الذي ليس من تحته طائِل إلا تشتيت الذهن، وعرقلته عن الوصول إلى الحق، وأيضًا مما يميز هذه الفترة في التصنيف؛ الاهتمامُ بالأسانيد والتنافسُ في العلو بها، وذلك لعلمهم أن ذلك من الدين، فكانوا لا يَصْدُرُونَ عن رأيهم، ولا عن هوى أنفسهم، إنما كان قَائِدُهُم الإِسنادُ، بِقَالَ اللهُ، وقَالَ رَسُولُه - صلى الله عليه وسلم -، ومن يقرأ في هذا الكتاب وفي أمثاله ممن نَسَجَ عَلى مِنْوَالِهِ، سيجدُ هَذا بيِّنًا لاحِبًا لا لَبْسَ فيه.
فكان واجبنا -ونحن نحاول أن نُسْهِمَ في إحياء تراث هذه الأمة التي أتت بما لم تأت به أمةٌ من الأمم قبلها- أن نكونَ أُمناء على هذا الإِرْثِ العظيم الذي تركه لنا أسلافُنا، ليكون نِبْراسًا لنا، نَستضيءُ به في ظلمات الجهل والضلال، وأعني بالأمانة هنا؛ أمانة إخراج النص إلى الناس دون تحريف أو تصحيف أو تبديل لأي كلمة وردت في أصل خطي ورثناه عن أسلافنا، ولا