قال أبو سعيد: من يُقَدِّر قَدْرَ هذه الحُجُب التي احْتَجَبَ الجَبَّارُ بها، ومن يَعْلمُ كَيْفَ هي غَيرُ الذي أَحَاطَ بِكلِّ شيءٍ عِلمًا، وأَحْصَى كُلَّ شيءٍ عددًا.
ففي هذا أيضًا دَلِيلٌ أنَّهُ بائِنٌ من خَلْقِهِ، مُحْتَجِبٌ عنهم، لا يَسْتَطِيعُ جِبْرِيلُ -مع قُرْبِهِ إِلَيْهِ- الدُّنوَّ مِنْ تِلْكَ الحُجُبِ، وليس كما يقول هؤلاء الزائغة: إنه معهم في كل مكان، ولو كان كذلك ما كان للحُجُبِ هُناكَ معنى؛ لأَنَّ الذي هو في كل مكان، لا يَحْتَجِبُ بِشَيءٍ مِنْ شَيءٍ، فَكَيْفَ يَحْتَجِبُ مَنْ هو خَارِجُ الحِجَابِ كما هو مِنْ وَرَائِهِ!
فليس لقول الله - عز وجل - {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الشورى: ٥١] عند القوم مِصْدَاق، والآثارُ التي جَاءَتْ عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في نزولِ الربِّ -تبارك وتعالى- تَدُلُّ على أن الله - عز وجل - فوق السماواتِ على عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ.