هذا هو مبلغ رجوع الصحابة إلي أهل الكتاب وأخذهم عنهم، أما التابعون فقد توسعوا في الأخذ عن أهل الكتاب، فكثرت في عهد هم الروايات الإسرائيلية في التفسير، ويرجع ذلك إلي كثرة من دخل في الإسلام من أهل الكتاب، ووجد في ذلك العهد من المفسرين من أرادوا أن يشبعوا ميل النفوس إلي سماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن، فأخذوا مرويات أحبار اليهود والنصاري وأدخلوها في تفاسيرهم، ومن أشهر من فعل ذلك مقاتل بن سليمان المتوفي سنة مائة وخمسين للهجرة والذي قال عنه أبو حاتم، إنه استقي علومه بالقرآن من اليهود والنصاري، ثم بعد عصر التابعين وجد من عظم شغفه بالإسرائيليات وأفرط في الأخذ منها إلي درجة جعلتهم لا يردون قولا، واستمر هذا الشغف بالإسرائيليات إلي أن جاء دور التدوين للتفسير فوجدت مرويات ضخمة من الإسرائيليات قد شحنت بها كتب المفسرين (١).
خطورة الإسرائيليات على الفكر الإسلامي:
وقد كان لهذه الإسرائيليات أثر سيّئ في التفسير، حيث إن الناظر في كتب التفسير التي شأنها الإكثار من الإسرائيليات يري القصص الخيالي والمبالغات العجيبة كالتي تقول: بأن عوج ابن أخت نوح عليه السّلام كان مفرط الطول حتى إن مياه البحر تبلغه إلي ركبتيه وكان يصطاد الأسماك ويشويها على حر الشمس ... وغير ذلك - فلا يكاد يقبل شيئا، وفضلا عن هذا فإن رواية الإسرائيليات المرفوعة بهذه الكثرة كانت على حساب الأخبار الصحيحة الواردة في التفسير، والفكر الإسلامي عموما، ذلك أن الناس بطبعهم عندهم نهم إلي المعرفة فإذا أشبع هذا النّهم بالخرافات والمرويات الباطلة قلّت درجة نهمهم إلي المرويات الصحيحة الثابتة، وللأسف فإن الأخبار الإسرائيلية كثيرا ما تستهوي جهلة الوعاظ وتستريح إليها أنفس العوام، وربما كان فيها ما يتعارض مع الدين،