للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فإن تكن الأيام شيبن مفرقي ... وكثرن أشجاني وقللن من غربي)

(فيا رب يوم قد شربت بمشرب ... شفيت به غم الصدى بارد غرب)

(وكم ليلة قد بتها غير آثم ... بشاجية الحجلين مفعمة القلب)

ألا تراه قد أراد تكثير أيامه ولياليه، فأخرج بعض ذلك بلفظ (رب) وبعضه بلفظ (كم) ورأى الأمرين سواء؟ فإن قائل: إن كانت (رب) في أصل وضعها وحقيقتها للتقليل نقيضة (كم)، فما الوجه في استعمالهم إياها في مواضع التكثير التي لا تليق إلا بـ (كم)؟ فالجواب: أن ذلك لأغراض يقصدونها؛ فمنها: أن المفتخر يزعم أن الشيء الذي يكثر وجوده منه يقل وجوده من غيره، وذلك أبلغ في الامتداح والفخر من أن يكثر من غيره ككثرته منه، فاستعبرت لفظة التقليل في موضع التكثير إشعاراً بهذا المعنى، كما استعيرت ألفاظ الذم في موضع المدح، فقيل: أخزاه الله ما أفصحه! ، ولعنه ما أشعره إشعاراً بأن الممدوح قد حصل في مرتبة من //يشتم حسداً له على فضله؛ لأن الفاضل هو الذي يحسد ويوقع في عرضه، والناقص لا يلتفت إليه، وقد صرح الشاعر بهذا في قوله:

<<  <   >  >>