للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الباب السابع

(في إقامة البراهين على أن النفس الناطقة حية بعد مفارقة الجسد)

النفوس ثلاثة: نباتية، وحيوانية، وناطقة، فأما النفس النباتية والنفس الحيوانية فلا نعلم خلافًا في عدمها بعد الجسم، وإنما وقع الخلاف في النفس// الناطقة، وهي العاقلة المميزة، فزعم قوم أنها تعدم عند فراقها الجسم كعدم النباتية والحيوانية، وقال قوم: إنها باقية حية لا عدم لها، وهو مذهب سقراط، وأرسطو، وأفلاطون، وسائر زعماء الفلاسفة، وعلى ذلك تدل الشرائع كلها، وأنا أذكر جملة من البراهين الفلسفية على بقائها؛ لأن الشرعية لا تليق بهذا الموضع وبالله التوفيق.

برهان أول: ميل الإنسان إلى الشهوات الطبيعية، وانغماره في اللذات الجسدية يمنعه من تصور الحقائق وقبول المعارف، ويكسب ذهنه بلادة، وإقلاله من ذلك يفيد ذهنه حدة، ويعينه على قبول المعارف وتصور الحقائق، فدل ذلك على أن المادة الطبيعية آفة النفس الناطقة، وأنها كلما انسلخت منها كانت أكثر تمييزًا وأصح معرفة، وينتج من هذه المقدمات أن تكون عند الموت أصح تمييزًا وأبصر للحقائق، لانسلاخها من جميع المادة، ولا يكون التمييز والتصور إلا لحي، فالنفس إذًا حية بعد موت الجسم، وقد وافق هذا البرهان الفلسفي من نصوص شرعنا قول الله- تعالى-: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: ٢٢]، وقول نبينا- عليه السلام-: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».

<<  <   >  >>