للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

برهان ثان: كل موجود بالفعل من الأشياء الطبيعية، فقد كان موجودًا بالقوة، وكل ما كان موجودًا بالقوة ثم وجد بالفعل فمخرجه إلى الوجود شيء آخر هو موجود بالفعل؛ كالماء الذي هو بارد بالقوة ويخرجه إلى الحرارة بالفعل النار التي هي حارة بالفعل، وهذا اضطرار إذ لا يصح أن يوجد الشيء نفسه، ولا يصح أيضًا أن يخرجه من الوجود بالقرة إلى الوجود بالفعل ما هو موجود بالقوة، لأنهما قد تساويا في العدم، وكل واحد منهما مفتقر إلى موجود، وإذا استحال الأمران صح أن مخرج الشيء من القوة إلى الفعل لا يكون إلا غيره، إلا موجود بالفعل، وإذا ثبت هذا قلنا: إن بعض الأجسام حي بالقوة [لم يصر حيًا بالفعل فمخرجه إلى الحياة] // جوهر آخر غيره حي بالفعل، والجسم أيضًا إنما يصير حيًا بمقارنة النفس له، فالنفس إذًا حية بالفعل، ومن هو حي بالفعل لا يعدم الحياة، فالنفس- إذًا- لا تعدم الحياة.

برهان ثالث: نفوسنا الناطقة إنما تفتقر إلى الحواس الجسدية مادامت عارية من الصور العقلية، فإذا حصلت فيها صورة من الصور العقلية لم تحتج إلى استعمال الحاسة التي كانت تتوصل بها إليها، فدل ذلك على أن للنفس استقلالاً بذاتها تستغني به عن الجسم، وأن أعضاء الجسم إنما هي آلات تلتقط بها معارفها، فأنتج من ذلك أن النفس الناطقة إذا تجوهرت بالمعارف، وحصل لها العقل المستفاد، لم تحتج إلى التعلق بالجسم.

<<  <   >  >>