للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فصل)

وأما سؤالك الثالث وهو قولك: إذا قلت: ضرب زيد عمراً، فهل لـ (ضرب) تأثير في (زيد) أم ليس له فيه تأثير؟ فإن قلت: له فيه تأثير؛ فهذا عكس ما عليه الأمر في الحقيقة؛ لأن الفاعل هو المحدث للفعل. وإن قلت: إن (ضرب) لا تأثير له في (زيد) فبأي شيء ارتفع؟ فإن هذا سؤال من لا دربة له بأغراض النحويين ومقاصدهم؛ وذلك أن غرض النحويين في قولهم: زيد فاعل بالضرب، إنما يريدون أنه فاعل بإحداثه لهذا النوع من الفعل، وبإسناده إليه حسب اختلافهم في السبب الذي به يرتفع الفاعل من إسناد الحديث إليه أو اختراعه للفعل على ما تقدم من قولنا، كما يرتفع المبتدأ بإسنادك الحديث إليه، ولا يريدون أن للفعل تأثيراً في فاعله في الحقيقة، وإنما يؤثر الفعل في اللفظ الذي يعبر به عن الفاعل لا في المعنى الواقع تحته. وكذلك جميع صناعة النحو إنما تفيد المتعلم لها حكم الألفاظ التي يعبر بها عن المعاني لا حكم المعاني في أنفسها. ألا ترى أنك تقول: مات زيد، فيكون (زيد) فاعلاً من طريق اللفظ، وإن كان مفعولاً من طريق المعنى؟ // وكذلك تقول: ذكرت زيداً، ومررت به، فتؤثر العوامل في لفظ (زيد) بالنصب والخفض، والمعنى الواقع تحته لا تأثير للعوامل فيه. كذلك تقول: سبح زيد ربه، وعظم عمرو خالفه، وتقول في إعرابه: زيد وعمرو فاعلان، وربه وخالقه مفعولان، عكس ما على المعنى، فصح بهذا كله أن الإعراب حكم لفظي لا معنوي. وقد تجد المعاني أيضاً مطابقة الألفاظ التي يعبر بها عنها، ألا ترى أنا نقول: قام زيد، فيكون المعنى الواقع تحت هذه اللفظة فاعلاً كما أن اللفظة التي عبر بها عنه كذلك.

<<  <   >  >>