للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما سؤالك: لمَ لمْ يجز أن توصف المعرفة بما هو أخص منها وأكثر تعريفًا، وجاز ذلك في النكرة؟ فإنما ذلك لأن الغرض في صفة المعرفة خلاف الغرض في صفة النكرة، فلاختلاف الغرضين اختلفت حالتا الصفتين.

أما الغرض في صفة المعرفة، فإنما هو إزالة الاشتراك العارض فيها أو المدح أو الذم، فلم يجز أن تكون أخص من موصوفها لثلاث علل: إحداها: أن المعرفة لا يعرض الشك لجميع المخاطبين بها، ولو كانت كذلك لم تسم معرفة، وإنما يعرض فيها الشك عند بعض من يخاطب بها فهي غنية عن الوصف في أكثر أحوالها، وأما الصفة فهي مجهولة عند كل من يسمعها حتى يذكر موصوفها الذي يخصصها، فلما كان موصوفها غنيًا في أكثر أحواله وهي مفتقرة إليه في جميع أحوالها، صار موصوفها أخص منها.

ألا ترى أن (العاقل) و (الظريف) و (الكريم) ونحوها صفات عامة يوصف بها كل من وجد فيه عقل أو ظرف أو كرم، فإذا ذكر المخبر شيئًا منها لم يعلم السامع من المقصود بتلك الصفة؟ فإذا قال: زيد العاقل، أو عمرو الظريف، أو جعفر الكريم، صارت هذه الصفات مختصة بهؤلاء المذكورين دون غيرهم ممن يجوز أن يوصف بها.

ولم يوضع (زيد) ونحوه من الأعلام في أصل وضعه ليسمى به كل من هو على صورته، كما وضع (العاقل) ونحوه من الصفات ليوصف به كل من وجدت فيه تلك الصفة، فقد بان بهذا أن الموصوف أخص من الصفة، وأن الصفة أعم منه، أعني ما تقدم ذكره من المعارف.

والعلة الثانية: أن صفة المعرفة إنما المراد منها الزيادة في البيان، والزيادة جزء من

<<  <   >  >>