فإن قيل: كيف وصف الخيل بأنها تشتكي أضغانًا؟ وما هذه الأضغان التي تشتكيها؟ فإن ذلك يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون أراد بالأضغان ما فيها من الحران، واللجاج، والعسر، والأمور التي ذكرنها؛ لأن الصفات المذمومة تجري مجرى الأمراض والأدواء والعيوب، ألا ترى أن العرب يقولون للمتكبر الذي لا يلتفت عجبًا وزهوًا:(أصيد)؟ وإنما الأصيد في الحقيقة البعير الذي لا يقدر أن يثني عنقه، ولا يلتفت لداء يصيبه، فأجروا الزهو، والتكبر مجرى الداء.
وكذلك قول الشاعر:
(//ما برح التيم يعتزون وزر .. ق الخط تشفي السقيم من سقمه)
أنه أراد [أن] الرماح تزيل نخوة المتكبر وإعجابه بنفسه، فهذا وجه، والمعنى الآخر: أن أصحاب هذه الخيل كانوا يصرفونها، ويعتبون عليها لما فيها من العسرة والأدواء، وكأنهم مضطغنون عليها، وهي مضطغنة عليهم، فلم تزل الحروب تروضها حتى ذهب عسرها والتواؤها، وصارت إلى ما يوافق أصحابها، وصار أصحابها إلى ما يوافقها، فذهبت أضغانها عليهم، وأضغانهم عليهم.
قال أبو محمد- رحمه الله-: فهذا ما حضرني من القول في جواب ما سألت عنه، ولله الحمد على جزيل نعمه، وصل الله على محمد وآله.