(أرسططاليس) العالم حين كان لا قوام له بنفسه كأنه غير موجود، وجعل الوجود إنما هو البارئ- عز وجل- وحده، وجعله كالصورة التي لا يوجد المصور إلا بها تقريبًا لا حقيقة، حتى كان وجوده سببًا لوجودها، كما تكون الصورة سببًا لوجود مصورها، وتسمي الصوفية هذا الفناء في التوحيد، ويرونه أرفع مراتبه، فهذا أحد المعاني التي بها سمي الباري- تعالى- صورة للأشياء، والمعنى الثاني: أنه- تعالى- أفاض من وحدته على كل موجود ما صارت له به هوية يتصور بها، فكل موجود إنما يوجد بتلك الوحدة التي سرت منه إليه بصورته، والمعنى الثالث: أن الصورة هي غاية المصور وكماله؛ لأن الشيء إذا كان بالقوة فهو على كماله الأول، فإذا خرج إلى الفعل كان على كماله الآخر، وخروجه من القوة إلى الفعل إنما هو بالصورة، فلما كان الباري- تعالى- هو الذي أخرج العالم من القوة إلى الفعل، أعني من العدم إلى الوجود صار من هذا الوجه كأنه صورة للعالم وإن كان غير صورة على الحقيقة، وسترى كلامنا فيما بعد هذا بما يزيد هذا المعاني وضوحًا إن شاء الله تعالى.