جل جلاله- وسوء التأول لكلام القدماء من الفلاسفة، ويجب علينا أولاً أن نبين معنى قول الفلاسفة المتقدمين: إن الباري- تعالى- لا يعلم إلا نفسه، وأنهم لم يريدوا بذلك أنه جاهل بغيره، ونورد من كلامهم ما يدل على براءتهم مما توهمه هؤلاء عليهم، ثم نناقضهم بعد ذلك فيما احتجوا به وبالله التوفيق.
(فصل)
أما قولهم: إن الباري- تعالى- لا يعلم إلا نفسه فيحتمل أربعة معان يقرب بعضها من بعض: أجدها أن الوجود نوعان: وجود مطلق ووجود مضاف، فالوجود المطلق هو الذي لا يفتقر إلى موجد، ولا هو معلول لعلة هي أقدم منه، والوجود المضاف هو الذي يفتقر إلى موجد يكون علة له، فالوجود المطلق// هو الوجود الذي يوصف به الباري- جل جلاله- لأنه الموجود المطلق الذي لا علة لوجوده، والوجود المضاف: هو الذي يوصف به سواه من الموجودات؛ لأن وجود كل موجود مقتبس من وجوده، وتابع له، ومتعلق به، حتى إنه لو توهم ارتفاع وجوده- تعالى- لارتفع وجود كل شيء، لأجل هذا شبهوا وجود الأشياء عنه بوجود نور الشمس