تقل معقولاته، وعلى قدر نقصه تكثر معقولاته، ولأجل هذا صار النقص لازمًا لكل موجود دون الباري- تعالى-[لأنها كلها لا تنال الفضيلة والكمال إلا بعقلها الباري- جل جلاله- فأقربها][منه] أكملها وأقلها نقصًا، لأنه لا يحتاج في كمال جوهره إلى أكثر من عقله العلة الأولى، وكلما انحطت مراتب الموجودات كثر نقصها واحتاج كل واحد منها في كمال جوهره إلى أن يعقل كل موجود قبله مع عقله العلة الأولى، ولا يمكنه عقل العلة حتى يعقل الوسائط التي بينه وبينها، فلما كان الباري- تعالى- هو نهاية الكمال كان غنيًا عن أن يعقل غيره، // وإذا كان عقل نفسه فقد عقل سواه.
والمعنى الثالث: قد ذكرناه في باب شرح قولهم: إن الأعداد دوائر وهمية عند شرح قول أرسطو: إن الباري- تعالى- علة الأشياء على أنه فاعل لها، وعلى أنه غاية لها، وعلى أنه صورة لها، وذكرنا أنه لم يرد الصورة التي هي شكل وتخطيط، ولا الصورة التي هي النوع؛ لأنه لا يوصف بالصورة، وقلنا: إن معنى ذلك أن وجود غيره لما كان مقتبسًا من وجوده صار من هذه الجهة كأنه صورة للموجودات إذ كانت إنما توجد بوجوده كما يوجد المصور بصورته، وصار وجوده كالجنس الذي يجمع الأنواع والأشخاص، وإن كان الباري تعالى يتنزه عن أن يوصف بجنس أو نوع أو شخص