هو استفهام فيه معنى التعجب عن إعجابه بنفسه، ولا يقدر بـ"ليس"، وهي من حروف النفي. ولو تأملت - أبقاك الله - حق التأمل لرأيت أنك لم تأت بشيء غير ما قلناه؛ لأن التعجب مضمن فيما ذكرنها، ولم نرد أن لفظ البيت كما هو يقدر بـ"ليس"، إنما أردنا أن المعنى راجع إلى ذلك. وبيان هذا أن حرف النفي إذا دخل عليه حرف الاستفهام دخل الكلام معنى التقرير واستدعاء ما عند المخاطب من إثبات لما يقرر أو يكتم، والشيء المسؤول عنه ثابت في نفسه، ولكن يتوقع من المخاطب أن ينكره. فإذا قلت لمن تخاطبه: ألم أحسن إليك. فمعناه: أتقول: إني لم أحسن إليك؛ فلذلك يقول هو في جوابه:"بلى" دون "نعم"؛ ليحقق الإحسان ويعترف به. ولو قال: نعم لحقق النفي وكان معناه: نعم، لم تحسن إلي. فإذا اعترف بإحسانك إليه قلت له حينئذ فلم لم تشكر ذلك؟ فتنتج له من التقرير استحقاق الملامة واستيجاب العقوبة، ويتضمن الكلام معنى التعجب للسامعين من سوء معاملته إياك مع إحسانه إليك، وتوالي أياديك لديه.
وكذلك لو قلت له: ألست قد أحسنت إليك؟ لأفاد ذلك المعنى بعينه. فلما كان غرض المعري أن يعجب المخاطبين ويقدمهم على مرتبته في الشرف آل معنى كلامه إلى معنى قول من يقول: ألست قد اتخذت البدر مهادا؟ ألست قد اتخذت الجوزاء وسادا؟ فظهر كلامه راجعا إليه وإن كان ذلك غير ظاهر فيه. ومن هذا الباب قول جرير:
(ألستم خير من ركب المطايا ... واندى العالمين بطون راح)
هو تقرير وتعجب معا. فقال لع عبد الملك بن مروان: بلى. نحن كذلك. ولو قال جرير: أنتم خير من ركب المطايا لكان جوابه: نعم. نحن كذلك، والمعنيان