اقتضاء المقارنة والمصاحبة لأن النصر والصبر مقترنان في تعلق العلم الأزلي بهما، أي: لم يكن نفس تعلقه بأحدهما بعد الآخر، وإن تعلق بأن أحدهما سيقع بعد الآخر، مثاله: لو أطلقنا سهمين في مدة واحدة ثم وقعا الأرض متعاقبين، وهذا كلام متحقق فلا تظنه متناقضًا، وإن أخذت بالنظر إلى الوجود الحقيقي، أعني وقوع الصبر والنصر، كانت (مع) بمعنى بعد، أي: أن النصر بعد الصبر، والفرج بعد الكرب، لأن بينهما تضادًا أو شبيها به فلا يتصور أحدهما مع الآخر مقارنة، إنما يكون أحدهما بعد الآخر، ويحتمل تخريج (مع) على بابها أيضًا بأن آخر أوقات الصبر أول أوقات النصر، فقد حصلت المعية والاقتران بينهما في آخر أوقات الصبر إذ هو بينهما مشترك.
"وإن مع العسر يسرا" هذا نص القرآن، والكلام في (مع) فيه كما سبق.
وجاء عن ابن عباس أنَّه قال: لن يغلب عسر يسرين (١)، يشير إلى قوله عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} فَنَكرَ اليُسر، وَعَرَّفَ العسر، والمُنَكر متعدد، والمُعَرَّفُ متحد بناء على أن اللام فيه للمعهود السابق نحو {أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [سورة المزمل: ١٥، ١٦].
واعلم أنَّا إذا ذكرنا اسمين لفظهما ومعناهما واحد أحدهما بعد الآخر،
(١) لم أقف عليه عن ابن عباس، ولكن رواه الطبري ٣٠/ ٢٣٦ عن الحسن، وقتادة مرسلًا بنحوه، ورواه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٣٨٠ موقوفًا على ابن مسعود.