للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإخلاص والمعرفة والتوكل ونحوه فهو برٌّ، أو يكره اطلاع الناس عليه فهو إما من أعمال الجوارح كالزنا والسرقة والغصب ونحوه فهو إثم، أو من أعمال القلوب فهو إمَّا مستقل أو غير مستقل، فإن كان مستقلا بأن لا يتوقف الجزاء عليه على عمل في الجوارح كالحسد والكبر ونحوه فهو إثم، وإن كان غير مستقل كنية الزنا والغصب والهم بقتل النفس ونحوه، فإن ضعف ذلك حتى كان من باب الخطرات والهمم غير الجازمة فليس بإثم لقوله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست به نفوسها ما لم تعمل به أو تتكلم" (١) وربما أثيب على مثل هذا لأن الفرض أنه حاك في النفس وكره اطلاع الناس عليه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثله "ذلك صريح الإيمان" (٢) حيث قيل له: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن ينطق به، أي: إعظام النطق به صريح الإيمان، فكذلك إذا هَمَّ شخص بالزنا أو القتل ثم حاك ذلك في نفسه ونفرت منه جاز أن يثاب على نفور نفسه منه، إذ لم ينفرها منه إلا ضرب من التقوى والإيمان فصار من باب قوله: "اكتبوها له حسنة، إنما تركها من جَرَّائِي" (٣) أو قريبا منه، وإن قوي ذلك حتى جزمت النفس بالإقدام عليه وصار من باب العقود والعزائم فهو إثم لقوله عليه الصلاة والسلام: "الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس" وهذه مسألة خلاف، وقد كان عموم


(١) رواية للحديث التاسع والثلاثين من هذا الأربعين.
(٢) رواه مسلم ١/ ١١٩ من حديث أبي هريرة.
(٣) رواه مسلم ١/ ١١٨ من حديث ابن عباس.