للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الحديث يقتضي أن الخطرات والهمم الضعيفة بالمعاصي إثم، لكن خصصنا عمومه بها لقوله عليه الصلاة والسلام "إن الله تجاوز لأمتي" الحديث جمعا بين الحديثين.

وحينئذ نقول: في كل عزم على معصية بدنية هذا العزم يحيك في النفس ويكره أن يطلع عليه الناس، وكلما كان كذلك فهو إثم، فهذا العزم إثم، ومما يشهد لما ذكرناه قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قيل: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" (١) فَعَلَّل دخولَه النار بحرصه على قتل صاحبه، وهو عزم مجرد ترتب عليه العقاب فدل على أنه معصية.

فإن قيل: هذا الحرص قد اقترن به العمل، وهو لقاؤه خصمه بالسيف، فاندرج تحت قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم".

قلنا: تعليل دخول النار بمجرد الحرص فلغا ما ذكرتم، وأيضًا مما يشهد لذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "الرجال أربعة: رجل أوتي مالا فأنفقه في البر، ورجل قال: لو كان لي مثل مال فلان لفعلت كما فعل، قال: فهما سواء في الأجر، ورجل آتاه الله مالا فأنفقه في الفجور، ورجل قال: لو كان لي مثل مال فلان لفعلت كما (أ) فعل، قال: فهما في الوزر


(أ) في م مثل ما.
(١) رواه البخاري ١/ ٢٠ ومسلم ٤/ ٢٢١٣ من حديث أبي بكرة.