والاعتراض عليه أن العدل إنما يلزم صدور الحق عنه بطريق الظاهر فيما طريقه الصدق والكذب، وهو نقل الأخبار، وأداء الشهادات، أما فيما طريقه الخطأ والصواب في استخراج الأحكام والاجتهاد فيها فلا.
فإن قيل: إذا ثبت عدالة الأمة لزم أنهم لا يجمعون إلا عن مستند قاطع، والقاطع يجب العمل به.
قلنا: لا نسلم أنهم لا يجمعون إلا عن قاطع، وقد صرح جمهور مثبتي الإجماع بجواز انعقاده عن الأمارات كالقياس وخبر الواحد، بل قد ذهب كثير إلى انعقاد الإجماع لا عن مستند أصلا، بل بالبحث المحض بناء على أن الأمة معصومة، فكيفما اتفقت على حكم كان اتفاقها حجة، عن مستند كان أو غيره.
سلمنا أنهم لا يجمعون إلا عن قاطع، لكن ما المراد بالقاطع؟ إن أريد به القاطع القطع العقلي الذي لا يحتمل النقيض فمثله نادر، أو متعذر في أدلة الشرع، وبتقدير وجوده لا نسلم أنه يخالف المصلحة فيعود إلى الوفاق، وإن أريد به القاطع الشرعي فقد بيَّنَّا أن أدلة الشرع تسعة عشر، وليس فيها ما بمكن دعوى القطع فيه إلا الإجماع والنص ورعاية المصلحة.
أما الإجماع فلا يجوز اعتباره في مستند (أ) الإجماع لأنه إثبات الشيء بنفسه، ولو اعتبر كان نزاعنا فيه كالنزاع في فرعه المنعقد عنه.
وأما النص فهو إما متواتر أو آحاد، وعلى التقديرين فهو إما صريح في