ثم قيل على هذه الجملة: إن قاعدة الجملة الشّرطيّة أن يكون الشرط فيها غير الجزاء نحو من أطاع أُثيب، ومن عصى عوقب، أما هذه الجملة فالشرط فيها هو الجزاء بعينه، وهما الهجرة إلى الله ورسوله، فهو بمثابة قولنا: من أكل أكل، ومن شرب شرب، ومن كان مؤمنًا فهو مؤمن ومن كان كافرًا فهو كافر.
وجوابها أن الشرط والجزاء في هذه الجملة إنَّما اتحدا لفظا لا معنًى، والاعتبار بالمعاني لا بالألفاظ.
ومعنى الكلام من كانت هجرته إلى الله ورسوله قصدًا ونية، فهجرته إلى الله ورسوله ثوابًا وأجرًا؛ أي: من هاجر إلى الله كان أجره على الله، وكانت هجرته مقبولة فاندفع السؤال.
البحث الخامس: قوله: "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" قلت: اللام في لدنيا يحتمل أنها للتعليل على بابها، أي: من كانت هجرته لعلة دنيا أو لأجل دنيا، ويحتمل أنها بمعنى إلى، أي: من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها لأنه قابله بقوله:
(١) قال العلامة أحمد بن محمد القسطلاني في كتابه إرشاد الساري إلى شرح صحيح البُخاريّ ١/ ٥٥ وقد اشتهر أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس المروية في المعجم الكبير للطبراني بإسناد رجاله ثقات من رواية الأعمش، ولفظه عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتَّى يهاجر فهاجر فتزوجها، قال: فكنا نسميه مهاجر أم قيس أهـ ولم أقف عليه في المعجم الكبير المطبوع.