القائلين: بأن العبد مجبور على أفعاله، ليس له قدرة ولا إرادة، بل أفعاله كحركة المرتعش، وكالريشة في مهب الريح، وهذا مذهب الجهمية.
والحق أن الله لم يأمر العباد ولم يكلفهم إلا بما لهم قدرة عليه، لا يكلفهم بما يعجزون عنه، ولا يستطيعونه، كما قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦]، وقوله:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:٩٧]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦].
ومما يدل على بطلان قول الجبرية: أن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال ثواباً وعقاباً، فأخبر أنه يثيب المحسنين، ويعاقب المسيئين، كما قال تعالى:{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}[النجم:٣١]، والجزاء إنما يكون على ما للعبد عليه قدرة، وله فيه اختيار.
ويجب مع الإيمان بأن للعبد قدرة ومشيئة وله فعل حقيقة؛ يجب الإيمان بأن كل ذلك جار بقدر الله، فالعبد لا يشاء إلا أن يشاء الله، والله خالق قدرته ومشيئته وفعله، إذ لا خروج لشيء عن قدرة الله ومشيئته، كما لا خروج لشيء عن علمه، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:٦٢]، فمذهب أهل السنة والجماعة في أفعال العباد وسط بين مذهبي الجبرية والقدرية؛ النافين للقدر، القائلين بأن العباد هم الخالقون لأفعالهم.