فالعبد ممن يملك عليه أمرَه غيرُه، فلا يقدر أن يجيب إذا دعي لا في بدء الشهادة ولا في أدائها، فخرج ممن وقع الخطاب عليه في الشهادة والله أعلم، والله سبحانه يقول:{عبدا مملوكا لا يقدر على شيء}.
ومن ذلك أن الله سبحانه قال:{كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} فقوله: {ولو على أنفسكم} هو الإقرار، فلما كان العبد لا تجوز شهادته على نفسه في إقراره بالأموال، كانت شهادته على غيره فيها أبعد، ودلّ أن خطاب القيام بالقسط في الشهادة هو للأحرار.
ودليل آخر: أن القيام بالقسط، هو من إقامة الحكم، فجرت الشهادة مجرى الحكم، والعبد لا يكون حاكما، فقد تأكدت الأدلة في ذلك ولله الحمد.
فإن قال: فالمرأة لا تكون حاكمة، وأنت تجيز شهادتها.
قلت: لم تكن حاكمة، إذ لا تجوز شهادتها حتى تضم معها امرأة اخرى، فلا تكون نصف حاكم، وشهادتها مقصورة على الأموال، ولا يكون الحاكم إلا مطلقا في كل شيء، والعبد فمنخفض الحرمة في هذا وفي غيره، والمرأة فأتم منه حرمة، وهي لا تجوز في الحدود، وهو لا ميراث له ولا دية راتبة، ولا يحد فاذفه، ولا يقتص من الحر بجرحه، ولا يكون حاكما، ولا يسهم له في الغنيمة، فأردنا أنه أخفض حرمة منها.