وما دل عليه القياس وشهدت له الأصول فقد قامت حجته، وللمناظرة في القياس موضع غير هذا، وقد رمينا بجملة منه في أول الكتاب، وما نضحنا منه في هذا الكتاب.
وبعد فإن ذكر الشيء بحكم في أعلى وجوهه، لا يمنع أن يكون مثل ذلك فيما دونه وذكره بحكم في أدنى وجوهه يمنع من الحكم بمثل ذلك في أعلى وجوهه إلا ببيان ونص.
ألا ترى لما ذكره الله الكفارة في قاتل المؤمن خطأ، لم يكن ذلك دليل أنها تكفر عن العامد، لأنه أعلى معنى من المذكور، ولا يساويه فيما له وقع التكفير؟
وكذلك تكفير اليمين للحانث، لا يدل أنها تكفر عن متعمد الكذب بيمينه – وهذا قول صحابك معنا – لأنه أعلى، ولا يساويه فيما له وقع التكفير.
وذكر الكفارة في عامد قتل الصيد، قام دليل ظاهره أنه تخفيف، فدل أن ما دونه تكفره الكفارة، لشبه ذلك بما وقع فيه التكفير، وهو القتل، الذي ذكرت الكفارة في مثله في نفس المؤمن.
فإن قال: فقد ذكر الله تعالى الدية في الخطإ، فلم جعلتها في العمد وهو أعلى وأبعد مما له وجبت الدية؟
قلت: إنما تلزم هذه المعارضة لو جعلتها في العمد بغير حادث، ينتقل به الحكم من عفو بعض الأولياء، أو صلح جميعهم فأما وأنا اقول: لا دية فيه إذا طلب الولي.