فإن أبحت النكاح بحبة الخردل وفلقة العود والورقة والتبنة، لم يكن بينك وبين من أباح النكاح بغير صداق فرق، إذ لا يعجز عن هذا عاجز أن يرفعه من الأرض فيملكه، ثم يعطيه إياها فترضى به.
فإما أن تقيم فرقا بين الزني وبين النكاح يعلم ويفهم، فيقصر الصداق على حد معلوم، ولا تحد في ذلك حدا ترجع به إلى أصل، كما رجعنا نحن – بما حددنا فيه – إلى أصل، إذ كان لابد لنا أن نبيح الفروج إلا بما له بال، مما دل عليه ظاهر الخطاب.
ولو كان مثل الحبة والنواة وورقة البقل يكون صداقا، ما جاز لأحد نكاح الإماء، وكان كل أحد واجدا للطول فكان ذلك دليلا أنه لا يكون الصداق كل ما قدر عليه.
ثم رأينا الذين تركوا أن يحدوا في الصداق حدا، فيدوا ذلك بأن يكن متمولا له قيمة، فصار خروجه عن حد القليل اتفاقا.
فلما حصل خروجه عن اليسير التافه كان الرجوع إلى ما ليس بتافه، ومما له بال من الأموال، بأصل يرجع إلى أولى، إذ كان ذلك مقدارا منصوصا عليه، له من الحرمة ما قطعت به اليد.