وشيء آخر، إنه لو كان كل من اقر في مرضه بأن عليه زكاة ماله في سائر عمره مقبول القول، كان ذلك ذريعة إلى فساد عظيم.
منها: أن ذلك يبعث كثيرا من الناس على ترك أداء الزكاة، لأنهم على ثقة من إنفاذها عنهم بعد الممات من رأس المال، فيؤخروا لذلك إخراجها، ويكون داعية إلى إبطال الميراث لمن شاء إبطاله بمثل هذه الإقرارات، ويصير الميت قد استأثر بماله عن أهله الميراث، فاستمتع به في حياته، وأخرجه عليهم بعد مماته.
وكذلك يلزم في الحج، فكل إقرار تشوبه ظنة وتهمة يبطل معه الميراث وينقص به على أهل الميراث ميراثم من يلي المال، فذلك ضرر على ما تقدم دليلنا عليه في باب إقرار المريض، ما اغني عن إعادته.
فإن قال: فلم جعلت إقراره بالزكاة في الثلث دون أن تبطلها، كما أبطلت إقراره، للوارث في الثلث وفي غيره.
قلت: لغير وجه منها أنه لا يجوز له أن يخص وارثه، لا من ثلثه، ولا من سائر ماله بشيء، وأصبته له أن يخص نفسه بمنافعه في ثلث بما أحب فأصرفت ما أتهمه فيه لنفسه إلى ثلثه.
وشيء آخر أني أصبت العلماء أحد رجلين: قائل قال: يكون إقراره في المرض بالزكاة في ثلثه، وقائل قال: من رأس ماله، ولم أعلم قائلا، قال: يبطل من الثلث ومن رأس المال، فأخرجت هذا القول، إذ لا أعلم له قائلا، وقلت من الثلث، إذ هو أقرب الأقوال إلى القياس وإلى الدليل، على ما بيناه.