المدينة؛ لأن أهل المدينة لذلك نقل تواتر متصل منذ كون النبي صلى الله عليه وسلم وإلى زمان مالك رحمه الله، يتداولونه خلفا عن سلف مع شدة حاجتهم إليه في بياعاتهم وأشريتهم ومعاملاتهم وتصرفهم، ولم يكن مما انقطع في وقت من الأوقات، ولا مما ينذر وقوعه فيختلف الحال في نقله.
ونقل الأخبار التي ذكروها نقل آحاد منقطع غير متصل؛ فلم يجز أن يعارض بنقل أهل المدينة الذي وصفه ما ذكرناه. وهذا مثل ما ذكرناه في أمر المصحف سواء؛ وذلك أن نقل هذا المصحف متواتر مجتمع عليه، وقد علمنا أنه تروى أحاديث بقراءات تخالفه؛ فلا يعترض بها عليه؛ لأن نقله نقل استيفاض وتواتر لا يعترض عليه بأخبار آحاد يجوز في نقلها السهو والغلط واعتماد الكذب.
فأما خبر مجاهد فلا يسوغ التعلق به؛ لأنه لو ورد صريحا أن صاع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أرطال لم يقبل إذا كان في مقابلته نقل أهل المدينة؛ فكيف ومجاهد لم يقف على مقداره وإنما حرزه متفاوتا.
وخبر عمر يجوز أن يكون وضعه للتعامل به، لا لوجوب الرجوع إليه في تقدير الشريعة.
ومثل هذا غير ممتنع.
فإن قيل: فقد نقل عن أهل المدينة أن هذا الصاع بقدر صاع النبي صلى الله عليه وسلم وروى يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى أنه قال: عيرنا صاع أهل المدينة فوجدناه يزيد على الحجاجي مكيالا.
وذكر عبد الله بن داود أنه سأل مالكا عن صاعهم الذي في أيديهم ما