اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، اللهم أهدنا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك.
أما بعدُ؛ فإن تحريرَ مسائل العلم وتنقيحَها من المطالب الكبار التي لا ينهض بها إلا من رسخت في العلم قدمُه، وطالت له مصاحبتُه، مستبطنًا لدخائله، مستقرئًا لدقائقه، مستخرجًا لمخبَّآته، غائصًا على أسراره.
ولا يُسابِق فيها إلا ضليعٌ، طابَ بالدليلِ مشربُه، وزكا بالاتباع غَرسه، وكان له من رُوحه المؤمنة مَعِينٌ لا يَنْضب، ومن نفسه التوَّاقة رِفْدٌ لا ينتهي.
نعم، ولا تَهْتزّ لها إلا نفوسٌ عَشِقَت العلم، وأنِفَتْ من مَعرَّة الجهل، وسئمت تِيْهَ الحَيْرهَ، وغصَّت بمرارة الخطأ، وتَسامَتْ عن هَوان التبعية لغير الحق، ولم تَرْضَ بدلًا ببَرْدِ اليقين، وعِزِّ الثقة، ولذَّة الإصابة، وراحةِ التوفيق، وطمأنينة النَّجاح.
وهذه الرسالة التي بين يديك ثمرةٌ يانعةٌ من ثمار التحرير والتنقيح، أنضجَها صدقُ الطَّلب وصحةُ العزم، وروَّاها طولُ التأمُّل وحُسْنُ التأتِّي، ورَعَاها لزومُ الجادَّةِ وسلامةُ المنهج.
وهي لأحد أولئك الأفراد الذين ازدانت بهم سماءُ العلم، وأشرقت بضيائهم شمسُ التحقيق، وكان له في هذا الباب مقامُ صِدْقٍ