للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير قاصدٍ لمعناها.

ولهذا يأمر الملوكُ وغيرُهم عند الغضب بأمورٍ يَعْلَمُ خواصُّهم أنهم تكلموا بها دفعًا لحرارة الغضب، وأنهم لا يريدون مقتضاها، فلا يَمْتثِلُه خواصُّهم، بل يؤخرونه، فَيَحْمَدُونَهُمْ على ذلك إذا سكن غضبهم.

وكذلك الرجل وقتَ شدة الغضب يقومُ ليبطش بولده أو صديقه، فيَحولُ غيره بينَه وبين ذلك، فيَحْمَدَهُم بعد ذلك، كما يَحْمَدُ السكرانُ والمحموم ونحوُهما مَنْ يحول بينه وبين ما يَهُمُّ بفعله في تلك الحالة.

الوجه الرابع: أن العاقل لا يستدعي الغضب ولا يريده، بل هو أكرهُ شيءٍ إليه، وهو كما قال النبي : "جَمْرَةٌ في قلب ابن آدم، أَمَّا رأيتم من احمرارِ عَيْنَيْه وانتفاخِ أوداجه؟! " (١).

والعاقلُ لا يقصد إلقاء الجمرة في قلبه، فهو ناشئٌ فيه بغير اختياره، وإذا كان هو السببَ الحاملَ على التكلُّم بالطلاق وغيره، لم يكن ذلك أيضًا مضافًا إلى اختياره وإرادته، وهذا كما أن إرادة السببِ إرادةٌ للمسبَّب، فكراهةُ السبب وبغضُه كراهةٌ للمسبَّب، يوضِّحه:


(١) رواه الإمام أحمد [(٤/ ٥١ - ٥٢)]، والترمذي [(٢١٩١)] أنه قال في خطبته: "ألا إن الغضب جمرة … "الخ. (القاسمي).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
وحسنه ابن حجر في "الأمالي المطلقة" (١٧٠).
وانظر: "المجروحين" لابن حبان (٢/ ١٠٤)، و"الأمثال" لأبي الشيخ الأصبهاني (٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>