للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذا مسلك آخر لهؤلاء الكفار وهو دليل على إفلاس حججهم بل عدمها، إذ لو كانت لهم حجة من المعقول أو أثر صحيح منقول لخاصموا به الرسل، ولكن لما أعيتهم الحيلة جحدوا {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} ، ولقد تعددت أقوال أهل التفسير في المراد من هذا الوصف، وذكر منها الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى أن معناها أن الكفار عضوا على أناملهم غيظًا مما جاء به الرسل، أو أنهم فعلوا ذلك من العجب لما سمعوا من دعوة الرسل، أو أنهم إنما يشيرون بأيديهم إلى أفواه الرسل ليسكتوا عما جاءوا به، أو أنهم كذبوهم بأفواههم (١) إضافة إلى أقوال أخرى، (٢) وأول الأقوال مأثور عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ولعله أصح الماثور في الآية إسنادًا، ووجهه ابن جرير الطبري بقوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} . (٣) قلت: إن تأمل هذا الوصف - أعني قوله تعالى {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} - يوحي بشيء من الاستهزاء والتهكم وهذا مشاهد ومعروف عند الناس فترى الرجل إذا تكلم بكلمة لا يحبها القوم وضعوا أيديهم على أفواههم وتهكموا وربما تبسموا أو ضحكوا استخفافًا واستهزاءً بما يقول، وعندي أن


(١) وهذا على أن في بمعنى الباء، ذكره في أضواء البيان
(٢) أضواء البيان - الشنقيطي - ٥٨-٥٩ / ٢
(٣) تفسير القرآن العظيم - ابن كثير - ٦٠١ / ٤ بتصرف

<<  <   >  >>