للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

رجعت يومًا من جنازة متطهرًا فمررت بخباء، فإذا بعجوز معها جارية رؤود (١) فاستسقيت، فقالت: اللبن أعجب إليك أم الماء؟ فقلت: اللبن أعجب إلي، فقالت: يا بنية اسقيه لبنًا فإني أظنه غريبًا، فسقتني فلما شربت قلت: من هذه الجارية؟ فقالت: هذه زينب بنت حدير إحدى نساء بني تميم، ثم من بني حنظلة، ثم من بني طهية. قلت: أتزوجينيها؟ قالت: نعم إن كنت كفؤًا، فانصرفت إلى منزلي، فامتنعت من القائلة، فلما صليت الظهر وجهت إلى إخواني الثقات مسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، فصليت العصر ثم رحت إلى عمها وهو في مسجده، فلما رآني تنحى لي عن مجلسه فقلت: أنت أحق بمجلسك ونحن طالبو حاجة، فقال: مرحبًا بك يا أبا أمية ما حاجتك؟ فقلت: إني ذكرت زينب بنت أخيك، فقال: والله ما بها عنك رغبة، ولا تك عنها مقصر، قال: وتكلمت فزوجني، ثم انصرفت، فما وصلت إلى منزلي حتى ندمت فقلت في نفسي: ماذا صنعت؟ فهممت أن أرسل إليها بطلاقها، ثم قلت: لا أجمع حمقتين ولكني أضمها إلي فإن رأيت ما أحب حمدت الله، وإن تكن الأخرى طلقتها، فأرسلت إليها بصداقها وكرامتها، فلما أُهديت إلي وقام النساء عنها قلت: يا هذه إن من السنة إذا أُهديت امرأة لزوجها أن تصلي ركعتين خلفه ويسألا الله تعالى البركة، فقمت أصلي فإذا هي خلفي، فلما فرغت رجعت إلى مكانها، ومددت يدي فقالت: على رسلك، فقلت: إحداهن ورب الكعبة، فقالت: الحمد للَّه وصلى الله على سيدنا محمد وآله، أما بعد فإني امرأة غريبة، ولا والله ما ركبت مركبًا هو أصعب علي من هذا، وأنت رجل لا أعرف أخلاقك فخبرني بما تحب أنت وبما تكره أزدجر عنه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك. قال: فقلت: الحمد للَّه وصلى الله على محمد وآله، أما بعد فقد قدمت


(١) في مقتبل شبابها.

<<  <   >  >>