كلفنا العامي بمعرفة الفاضل من المفضول لكان تكليفًا بالمحال لقصوره عن معرفة مراتب المجتهدين وأجيب بمنع الاستحالة بأنه بمكنه هذا القدر من الاجتهاد بسؤال الناس وغيره من قرائن الأحوال كرجوع العلماء إلى قوله وعدم رجوعهم إلى قول غيره وكثرة المستفتين له وقلة المستفتين لغيره سواء كان المقلد بكسر اللام عاميًا أو عالمًا لجريان الخلاف في كل منهما.
ثالث الأقوال وأختاره السبكي جواز تقليد المفضول لمعتقده فاضلًا أو مساويًا فإن أعتقد فيه أنه مفضول امتنع تقليده واستفتاؤه والفرق بين هذا والقول الثاني أن هذا يكتفي باعتقاد الأرجحية أو المساواة ولا يجب عليه البحث على الأرجح والثاني لا يكتفي بمجرد ذلك الاعتقاد بل يوجب البحث على الأرجح قاله في الآيات البينات فعلى هذا القول إن أعتقد العامي رحجان واحد منهم تعين تقليده ولو كان مرجوحًا في نفس الأمر عملًا باعتقاده المبني عليه تعين التقليد وإذا تبين بعد أنه مفضول في الواقع اعتد بالتقليد الماضي وعمل بمقتضى الاعتقاد الثاني في غير ذلك كما لو تغير اجتهاد المجتهد بجامع أنه يلزمه إتباع اعتقاده كما يلزم المجتهد إتباع اجتهاده قاله في الآيات البينات:
إذا سمعت فالإمام مالك ... صح له الشاو الذي لا يدرك
ببناء يدرك للمفعول أي إذا سمعت أيها الطالب لعلم هذه المسألة وجوب تقليد الأرجح من المجتهدين فأعلم أن الإمام مالكًا رحمه الله تعالى ثبت أن له الشاو أي السبق في العلوم والغاية التي لا يدركها مجتهد غيره من عصر التابعين فمن بعدهم:
للأثر الصحيح مع حسن النظر ... في كل فن كالكتاب والأثر
يعني أن مالكًا ثبت له الفضل على غيره ممن ذكر لأجل الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم ولا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة مع ما ثبت