وفسر بعضهم تتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب ما هو أسهل عليه فيما يقع من المسائل وإن كان لا ينقض فيه حكم الحاكم وقد منع القرافي هذا التفسير بأن قوله صلى الله عليه وسلم (بعثت بالحنفية السمحة) أي السهلة يقتضي جواز ذلك ونقل عن أبي إسحاق المروزي جواز تتبع الرخص وجوزه بعضهم للموسوس دون غيره وهو قول حسن وامتناع تتبع الرخص شامل لملتزم مذهب معين وغيره:
أما التمذهب بغير الأول ... فصنع غير واحد مبجل
التمذهب بضم الهاء مصدر تمذهب يعني أن التمذهب بغير المذهب الأول الذي كان عليه بأن يصير مثلًا شافعيًا بعد أن كان مالكيًا وبالعكس فجائز لأنه فعله كثير من العلماء المبجلين عند الناس أي المعظمين لأن المذاهب كلها طرق إلى الجنة والكل على هدى من ربهم:
كحجة الإسلام والطحاوي ... وأبن دقيق العيد في الفتاوي
يعني أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي انتقل آخر عمره إلى مذهب الإمام مالك لأنه رآه أكثر احتياطًا وقد كان شافعيًا وكذلك أبو جعفر الطحاوي انتقل من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة وكان قد صعب عليه مذهب الشافعي حتى أنه خلف خاله المزني أن لا يحصل منه شيء فلما انتقل إلى مذهب أبي حنيفة وتفقه فيه كان يقول لو أدركني خالي لكفر عن يمينه وانتقل تقي الدين بن دقيق العيد من مذهب مالك إلى مذهب الشافعي وكان يفتي في المذهبين وإلى ذلك أشرت بقولي ذي الفتاوي جمع فتوى وقد كان أبن مالك النحوي صاحب الخلاصة والتسهيل والكافية وغيرها ظاهريًا مدة إقامته بالأندلس فلما توطن الشام انتقل إلى مذهب الشافعي لأمر اقتضي ذلك إلى غير ذلك من الجلة الإعلام: