للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٤٠٣ - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ يَعْقُوبَ , عَنْ دَاوُدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي زَنْبَرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ , عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: هَذَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْفَيْءِ وَالْمَغْنَمِ , أَمَّا بَعْدُ , فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَائِرَ وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ , فَشَرَعَ فِيهِ الدِّينَ , وَأَبْهَجَ بِهِ السَّبِيلَ , وَصَرَفَ بِهِ الْقَوْلَ , وَبَيَّنَ مَا يُؤْتَى مِمَّا يُنَالُ بِهِ مِنْ رِضْوَانِهِ , وَمَا يُنْتَهَى عَنْهُ مِنْ مَنَاهِيهِ وَمَسَاخِطِهِ , ثُمَّ أَحَلَّ حَلَالَهُ الَّذِي وَسَّعَ بِهِ , وَحَرَّمَ حَرَامَهُ , فَجَعَلَهُ مَرْغُوبًا عَنْهُ , مَسْخُوطًا عَلَى أَهْلِهِ , وَجَعَلَ مِمَّا رَحِمَ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ , وَوَسَّعَ بِهِ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ مِنَ الْمَغْنَمِ , وَبَسَطَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْظُرْهُ عَلَيْهِمْ , كَمَا ابْتَلَى بِهِ أَهْلَ النُّبُوَّةِ وَالْكِتَابِ , مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُمْ , فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ , مَا نَقَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَاصَّةٍ دُونَ النَّاسِ , مِمَّا غَنِمَهُ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ , إِذْ يَقُولُ اللهُ حِينَئِذٍ {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر: ٦] , فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَمْوَالُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجِبْ فِيهَا خُمُسٌ وَلَا مَغْنَمٌ , لِيُوَلِّيَ اللهُ وَرَسُولَهُ أَمْرَهُ , وَاخْتَارَ أَهْلَ الْحَاجَةِ بِهَا , السَّابِقَةَ عَلَى مَا يُلْهِمُهُ مِنْ ذَلِكَ , وَيَأْذَنُ لَهُ بِهِ , فَلَمْ يَضُرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَخْتَرْهَا ⦗٢٩٤⦘ لِنَفْسِهِ , وَلَا لِأَقَارِبِهِ , وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهَذَا مِنْهُمْ بِفَرْضٍ وَلَا سُهْمَانَ , وَلَكِنْ آثَرَ , بِأَوْسَعِهَا وَأَكْثَرِهَا أَهْلَ الْحَقِّ وَالْقُدُمَةَ , مِنَ الْمُهَاجِرِينَ {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ , يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ , أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: ٨] , وَقَسَمَ اللهُ طَوَائِفَ مِنْهَا فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ , وَحَبَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِيقًا مِنْهَا لِنَائِبَتِهِ وَحَقِّهِ , وَمَا يَعْرُوهُ: أَيْ يَعْرِضُ لَهُ وَيَعْتَرِيهِ , غَيْرُ مُفْتَقِدٍ شَيْئًا مِنْهَا وَلَا مُسْتَأْثِرٍ بِهِ , وَلَا مُرِيدٍ أَنْ يُؤْتِيهِ أَحَدٌ بَعْدَهُ , فَجَعَلَهُ صَدَقَةً لَا يُورَثُ لِأَحَدٍ فِيهِ هَادَّةٌ فِي الدُّنْيَا , وَمَحْقَرَةٌ لَهَا وَأَثَرَةٌ لِمَا عِنْدَ اللهِ , فَهَذَا الَّذِي لَمْ يُوجَفْ فِيهِ خَيْلٌ وَلَا رِكَابٌ , وَمِنِ الْأَنْفَالِ الَّتِي آثَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهَا مِثْلَ الَّذِي جَعَلَ لَهُ مِنَ الْمَغْنَمِ , الَّذِي فِيهِ اخْتِلَافُ مَنِ اخْتَلَفَ , قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] , ثُمَّ قَالَ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: ٧] , فَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَلِلَّهِ} [الحشر: ٧] فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى غَنِيٌّ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا وَكُلِّ مَا فِيهَا , وَلَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ , وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: اجْعَلُوهُ فِي سَبِيلِهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا , وَقَوْلُهُ: {وَلِلرَّسُولِ} [الحشر: ٧] فَإِنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَظٌّ فِي الْمَغْنَمِ إِلَّا كَحَظِّ الْعَامَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: إِلَى الرَّسُولِ قِسْمَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ وَالْحُكُومَةُ فِيهِ , فَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: ٧] فَقَدْ ظَنَّ جَهَلَةٌ مِنَ النَّاسِ , أَنَّ لِذِي قُرْبَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمًا مَفْرُوضًا مِنَ الْمَغْنَمِ , قُطِعَ عَنْهُمْ وَلَمْ يُؤْتَهُ إِيَّاهُمْ , وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ , لَبَيَّنَهُ كَمَا بَيَّنَ فَرَائِضَ الْمَوَارِيثِ , فِي النِّصْفِ , وَالرُّبْعِ , وَالسُّدُسِ , وَالثُّمُنِ , وَلَمَا نَقَصَ حَظُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ غِنَاءٌ كَانَ عِنْدَ أَحَدِهِمْ , أَوْ فَقْرٌ , كَمَا لَا يَقْطَعُ ذَلِكَ حَظُّ الْوَرَثَةِ مِنْ سِهَامِهِمْ , وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَفَلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِنَ الْمَغْنَمِ , مِنَ الْعَقَارِ , وَالسَّبْيِ , وَالْمَوَاشِي , وَالْعُرُوضِ , وَالصَّامِتِ , وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَرْضٌ يُعْلَمُ , وَلَا أَثَرٌ يُقْتَدَى بِهِ , حَتَّى قَبَضَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ قَسَمَ فِيهِمْ قِسْمًا يَوْمَ خَيْبَرَ , لَمْ يَعُمَّ بِذَلِكَ يَوْمَئِذٍ عَامَّتَهُمْ , وَلَمْ يُخَصِّصْ قَرِيبًا دُونَ آخَرَ أَحْوَجَ مِنْهُ , لَقَدْ أَعْطَى يَوْمَئِذٍ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ قَرَابَةٌ , وَذَلِكَ لَمَّا شَكَوْا لَهُ مِنَ الْحَاجَةِ , وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي جَنْبِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ , وَمَا خَلَصَ إِلَى حُلَفَائِهِمْ مِنْ ذَلِكَ , فَلَمْ يُفَضِّلْهُمْ عَلَيْهِمْ لِقَرَابَتِهِمْ , وَلَوْ كَانَ لِذِي الْقُرْبَى حَقٌّ , كَمَا ظَنَّ أُولَئِكَ , لَكَانَ أَخْوَالُهُ ذَوِي قُرْبَى , وَأَخْوَالُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ , وَكُلُّ مَنْ ضَرَبَهُ بِرَحِمٍ , فَإِنَّهَا الْقُرْبَى كُلُّهَا , وَكَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا ظَنُّوا , لَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا , بَعْدَمَا وَسِعَ الْفَيْءُ وَكَثُرَ , ⦗٢٩٥⦘ وَأَبُو الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَيْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , حِينَ مَلَكَ مَا مَلَكَ , وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ قَائِلٌ , أَفَلَا عَلَّمَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَمْرًا يَعْمَلُ بِهِ فِيهِمْ , وَيُعْرَفُ بَعْدَهُ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا زَعَمُوا , لَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] فَإِنَّ مِنْ ذَوِي قَرَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمَنْ كَانَ غَنِيًّا , وَكَانَ فِي سَعَةٍ يَوْمَ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَبَعْدَ ذَلِكَ , فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ السَّهْمُ جَائِزًا لَهُ وَلَهُمْ , كَانَتْ تِلْكَ دُولَةٌ , بَلْ كَانَتْ مِيرَاثًا لِقَرَابَتِهِ , لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ قَطْعُهَا وَلَا نَقْضُهَا , وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: لِذِي قُرْبَى , بِحَقِّهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ فِي الْحَاجَةِ , وَالْحَقُّ اللَّازِمُ كَحَقِّ الْمُسْلِمِينَ , فِي مَسْكَنَتِهِ وَحَاجَتِهِ , فَإِذَا اسْتَغْنَى , فَلَا حَقَّ لَهُ , وَالْيَتِيمُ فِي يُتْمِهِ , وَإِنْ كَانَ الْيَتِيمُ وَرِثَ عَنْ وَارِثِهِ , فَلَا حَقَّ لَهُ , وَابْنُ السَّبِيلِ , فِي سَفَرِهِ وَصَيْرُورَتِهِ , إِنْ كَانَ كَبِيرَ الْمَالِ , مُوَسَّعًا عَلَيْهِ , فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ , وَرُدَّ ذَلِكَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ , وَبَعَثَ اللهُ الَّذِينَ بَعَثَ , وَذَكَرَ الْيَتِيمَ ذَا الْمَقْرَبَةِ وَالْمِسْكِينَ ذَا الْمَتْرَبَةِ , كُلُّ هَؤُلَاءِ هَكَذَا , لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا صَالِحُ مَنْ مَضَى لِيَدَعُوا حَقًّا فَرَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِذِي قَرَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُومُونَ لَهُمْ بِحَقِّ اللهِ فِيهِ كَمَا قَالَ «أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» وَأَحْكَامَ الْقُرْآنِ , وَلَقَدْ أَمْضَوْا عَلَى ذَلِكَ عَطَايَا مِنْ عَطَايَا وَضَعَهَا فِي أَفْيَاءِ النَّاسِ وَإِنَّ بَعْضَ مَنْ أُعْطِي مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا لَمَنْ هُوَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ , فَأَمْضَوْا ذَلِكَ لَهُمْ , فَمَنْ زَعَمَ غَيْرَ هَذَا كَانَ مُفْتَرِيًا مُتَقَوِّلًا عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ , وَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا غَيْرَ الْحَقِّ , وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ فِي الْخُمُسِ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَهُ فَرَائِضَ مَعْلُومَةً , فِيهَا حَقُّ مَنْ سَمَّى , فَإِنَّ الْخُمُسَ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْنَمِ , وَقَدْ آتَى اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا , فَأَخَذَ مِنْهُ أُنَاسًا , وَتَرَكَ ابْنَتَهُ , وَقَدْ أَرَتْهُ يَدَيْهَا مِنْ مَحَلِّ الرَّحَى , فَوَكَلَهَا إِلَى ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَالتَّسْبِيحِ , فَهَذِهِ ادَّعَتْ حَقًّا لِقَرَابَتِهِ , وَلَوْ كَانَ هَذَا الْخُمُسُ وَالْفَيْءُ , عَلَى مَا ظَنَّ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ , كَانَ ذَلِكَ حَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَاعْتِزَامًا لِمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِمْ , وَلَمَا عُطِّلَ قَسْمُ ذَلِكَ فِيمَنْ يَدَّعِي فِيهِ بِالْقَرَابَةِ وَالنَّسَبِ وَالْوِرَاثَةِ , وَلَدَخَلَتْ فِيهِ سُهْمَانُ الْعَصَبَةِ وَالنِّسَاءُ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ , وَيَرَى مَنْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: ٤٧] وَ {مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: ٨٦] وَقَوْلِ الْأَنْبِيَاءِ لِقَوْمِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ , وَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَدَّعِيَ مَا لَيْسَ لَهُ , وَلَا لِيَدَعَ حَظًّا وَلَا قَسْمًا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ , وَاخْتَارَهُ اللهُ لَهُمْ وَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ فِيهِ , وَلَا لِيَحْرِمَهُمْ إِيَّاهُ , وَلَقَدْ سَأَلَهُ نِسَاءُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ , الْفِكَاكَ وَتَخْلِيَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ سَبَايَاهُمْ , بَعْدَمَا كَانُوا فَيْئًا , فَفَكَّكَهُمْ وَأَطْلَقَهُمْ , ⦗٢٩٦⦘ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْأَلُ مِنْ أَنْعَامِهِمْ شَجَرَةً بِرِدَائِهِ , فَظَنَّ أَنَّهُمْ نَزَعُوهُ عَنْهُ «لَوْ كَانَ عَدَدُ شَجَرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ , وَمَا أَنَا بِأَحَقَّ بِهِ مِنْكُمْ بِقَدْرِ وَبَرَةٍ آخُذُهَا مِنْ كَاهِلِ الْبَعِيرِ إِلَّا الْخُمُسَ , فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» , فَفِي هَذَا بَيَانُ مَوَاضِعِ الْفَيْءِ الَّتِي وَجَّهَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ , بِحُكْمِ اللهِ تَعَالَى , وَعَدْلِ قَضَائِهِ , فَمَنْ رَغِبَ عَنْ هَذَا , أَوْ أَلْحَدَ فِيهِ , وَسَمَّى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ مَا سَمَّاهُ بِهِ رَبُّهُ , كَانَ بِذَلِكَ مُفْتَرِيًا مُكَذِّبًا , مُحَرِّفًا لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مَوَاضِعِهِ , مُصِرًّا بِذَلِكَ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عَلَى التَّكْذِيبِ , وَإِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ ضَلَالُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا جَعَلَ اللهُ أَمْرَ الْخُمُسِ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَضَعَهُ فِيمَنْ رَأَى وَضْعَهُ فِيهِ , مِنْ قَرَابَتِهِ , غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا , مَعَ مَنْ أَمَرَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنَ الْخُمُسِ سِوَاهُمْ , مِمَّنْ تَبَيَّنَ فِي آيَةِ الْخُمُسِ , وَلِذَلِكَ أَمَرَهُ فِي آيَةِ الْفَيْءِ أَيْضًا , فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي هَذَا , الِاخْتِلَافَ الَّذِي وَصَفْنَا , وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ , لِنَسْتَخْرِجَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ هَذِهِ , قَوْلًا صَحِيحًا , فَاعْتَبَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى مِنْ قَرَابَتِهِ مَنْ أَعْطَى , مَا أَعْطَاهُ بِحَقٍّ وَاجِبٍ لَهُمْ لَمْ يَذْكُرِ اللهُ إِيَّاهُمْ فِي آيَةِ الْغَنَائِمِ , وَفِي آيَةِ الْفَيْءِ , فَوَجَدْنَا هَذَا الْقَوْلَ فَاسِدًا , لِأَنَّا رَأَيْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى قَرَابَةً وَمَنَعَ قَرَابَةً , فَلَوْ كَانَ مَا أَضَافَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ فِي آيَةِ الْغَنَائِمِ , وَفِي آيَةِ الْفَيْءِ , عَلَى طَرِيقِ الْفَرْضِ مِنْهُ لَهُمْ , إِذًا لَمَا حَرَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَحَدًا , وَلَعَمَّهُمْ بِمَا جَعَلَ اللهُ لَهُمْ , حَتَّى لَا يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ خَارِجًا عَمَّا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ فِيهِمْ , أَلَا يَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَوْصَى لِذِي قَرَابَةِ فُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِهِ , وَهُمْ يَخُصُّونَ وَيَعْرِفُونَ أَنَّ الْقَائِمَ بِوَصِيَّتِهِ لَيْسَ لَهُ وَضْعُ الثُّلُثِ فِي بَعْضِ الْقَرَابَةِ دُونَ بَقِيَّتِهِمْ , حَتَّى يَعُمَّهُمْ جَمِيعًا بِالثُّلُثِ الَّذِي يُوصِي لَهُمْ بِهِ , وَيُسَوِّي بَيْنَهُمْ فِيهِ , وَإِنْ فَعَلَ فِيهِ مَا سِوَى ذَلِكَ , كَانَ مُخَالِفًا لِمَا أَمَرَ بِهِ , وَحَاشَ لِلَّهِ , أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ فِعْلِهِ لِمَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مُخَالِفًا , وَلِحُكْمِهِ تَارِكًا , فَلَمَّا كَانَ مَا أَعْطَى مِمَّا صَرَفَهُ فِي ذَوِي قُرْبَاهُ , لَمْ يَعُمَّ بِهِ قَرَابَتَهُ كُلَّهَا , اسْتَحَالَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ , لِقَرَابَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ مَنَعَهُمْ مِنْهُ , لِأَنَّ قَرَابَتَهُ لَوْ كَانَ جُعِلَ لَهُمْ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ , كَانُوا كَذَوِي قَرَابَةِ فُلَانٍ الْمُوصِي لَهُمْ بِثُلُثِ الْمَالِ , الَّذِي لَيْسَ لِلْوَصِيِّ مَنْعُ بَعْضِهِمْ وَلَا إِيثَارُ أَحَدِهِمْ دُونَ أَحَدٍ , فَبَطَلَ بِذَلِكَ , هَذَا الْقَوْلُ , ثُمَّ اعْتَبَرْنَا قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا: لَمْ يَجِبْ لِذِي قَرَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ فِي آيَةِ الْفَيْءِ , وَلَا فِي آيَةِ الْغَنَائِمِ , وَإِنَّمَا وَكَّدَ أَمْرَهُ بِذِكْرِ اللهِ إِيَّاهُمْ , أَيْ: فَيُعْطَوْنَ لِقَرَابَتِهِمْ وَلِفَقْرِهِمْ , وَلِحَاجَتِهِمْ , فَوَجَدْنَا هَذَا الْقَوْلَ فَاسِدًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا , لَمَا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغْنِيَاءَ بَنِي هَاشِمٍ , مِنْهُمُ الْعَبَّاسُ ⦗٢٩٧⦘ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رِضْوَانُ اللهُ عَلَيْهِمْ , فَقَدْ أَعْطَاهُ مَعَهُمْ , وَكَانَ مُوسِرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ , حَتَّى لَقَدْ تَعَجَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِي الْقُرْبَى لَيْسَ لِلْفَقْرِ , لَكِنْ لِمَعْنًى سِوَاهُ , وَلَوْ كَانَ لِلْفَقْرِ أَعْطَاهُمْ , لَكَانَ مَا أَعْطَاهُمْ مَا سَبِيلُهُ سَبِيلَ الصَّدَقَةِ , وَالصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>