للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجاء الأخفش الأكبر أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد (١٧٧هـ) وقد روى عنه سيبويه ولم يذكر أحد أنه كان صاحب قياس أو تعليل، فإذا جاء باستدلال ذهني كان أدنى إلى خصوص اللغة، واتخذ وجهاً من وجوه الاعراب كان ألصق بسلامة المعنى.

وجاء سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان (١٨٠هـ) فطلع على الملأ بكتابٍ فذ سديد المنهج، مطَّرد التنسيق، جامع، غزير المادة، يعوّل فيه على الأكثر والأغلب. ينهج طريق القياس والتعليل ويعلِّّم البحث فيهما كما يعلِّم النحو. وقد اختلف سيبويه إلى مجلس أستاذه الخليل في البصرة، وطلاب العلم فيه كثُر يزحم بعضهم بعضاً، وقد أقبل على أستاذه يطيل الاستماع إليه والتلقي عنه ويتلطف لما يعي فيتضلَّع منه ويستجلي غوامضه فيقلِّب فيه الرأي ويصرف الفكر، وقد لفت سيبويه نظر أستاذه بذكائه وفطنته فكان محل عنايته وموضع اختصاصه، وقد قال له يوماً (مرحباً بزائر لا يملّ) وما كان يقوله لسواه.

استوفى سيبويه ما أملى عليه أستاذه رواية ورأياً وتعليقاً وشرحاً ففاضل ووازن وأحكم الرأي فأدى فأحسن التأدية. كان صادقاً فيما أداه. تلقى سيبويه أصول النحو عن (يونس بن حبيب) خاصة كما استوعبه عن الخليل. قال يونس حين قرأ كتابه سيبويه: "يجب أن يكون هذا الرجل قد صدق عن الخليل في جميع ما حكاه، كما صدق فيما حكاه عني".

أخذ سيبويه بالأكثر والأغلب، فقاس عليه، دون القليل أو الشاذ، وقال في باب (أيّ) من كتابه (١/٣٩٨) : "فلا ينبغي لك أن تقيس على الشاذ المنكر في القياس". وقال في باب (بناء الأفعال المتعدية- ٢/٢١٤) : "فإنما هذا الأقل نوادر تحفظ عن العرب ولا يقاس عليها ولكن الأكثر يقاس عليه". وقال في باب (ما لحقته الزوائد من الأفعال المتعلة- ٢/٣٦٢) : "ولا ينكر أن يجعلوها معتلة في هذا الذي استثنينا لأن الاعتلال هو الكثير المطرد"، ونظير ذلك كثير في الكتاب.

<<  <   >  >>