الأدوات النحويّة وما يَعترضُ الكتّاب مِن اللُبس في استعمالها
كثيراً ما يعترض الكتاب لبس في استعمال الأدوات النحوية ويقع الإبهام في ذلك، فيأتي كلامهم وقد تخلّف عنه الإحكام في الأداء. فرأيت أن أبحث ما دقَّ من معاني هذه الأدوات وأستجلي بعض حقائقها، فأوضح المبهم منه وأقرب البعيد لعلّي أكشف عما غابت معرفته من مسائلها، فيتسنى بذلك ما تعذر من أمرها ويستيسر ما تصعب، وهأنذا أبسط الكلام في طائفة منها أداة بعد أداة.
١-إذ:
تستعمل (إذ) في وجوه قد يخفى بعضها على الكتَّاب، وهذه أشهرها.
آ-إذ الحرفية: وهي تزاد للتعليل، قال تعالى:(ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون -الزخرف/ ٣٩ (، أي: ولن ينفعكم اليوم، أي يوم القيامة، أنكم في العذاب مشتركون، بسبب ظلمكم في الدنيا، والرأي منسوب إلى سيبوبه.
وتزاد (إذ) للمفاجأة كقولك: (بينما هو كذلك إذ جاء خالد) .وأما قوله تعالى:(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة.. البقرة/ ٣٠ (، وقوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا.. البقرة/٣٤ (، فقد قيل إن (إذ) فيهما للتوكيد. والتقدير:(وقال ربك) في الآية الأولى: و (وقلنا للملائكة..) في الآية الثانية. وقيل (إذ) فيهما مفعول به فتكون اسماً والتقدير فيهما: (واذكر إذ) ، وهو الأرجح.
ب-إذ الاسمية: تقع في موقع الظرف والمفعول به والمبدل منه والمضاف إليه. ومثال الظرف قوله تعالى:(إلاَّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا.. التوبة/ ٤٠ (، أي: فقد نصره الله حين إخراج الكفار له. وهكذا قوله تعالى: (وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم.. الأحقاف/ ١١ (، وقيل التقدير: وظهر عنادهم إذ لم يهتدوا بالقرآن، لكنه أفاد التعليل لأن (فسيقولون عنه) مسبب عنه.
ومثال المفعول به قوله تعالى: (واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثَّركم.. الأعراف/ ٨٦ (أي اذكروا هذا الوقت. وقيل هو ظرف والتقدير: واذكروا نعمة الله إذ كنتم.
ومثال البدل: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً.. مريم/١٦ (أي أذكر (مريم) بل أذكر (وقت انتبذت فيه) . وقيل إنه ظرف والتقدير: اذكر قصة مريم إذ..
ومثال المضاف إليه قوله تعالى:(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.. آل عمران/٨ (.
هذا ما ذهب إليه جماعة من النحاة، من أنَّ (إذ) اسم للزمن الماضي وأنها تأتي على ما تقدَّم من وجوه الاستعمال. أما الجمهور فإنه يقتصر من هذه الوجوه المتقدمة على وجهين، فهي إما أن تكون ظرفاً، كما هي في الأمثلة المذكورة آنفاً، أو تكون مضافاً إليها، كقولك يومئذٍ وحينئذ.