تقدم الكلام في العدد السابق من المجلة على الفعل (تعريفه وأقسامه وأبوابه) ، فعرّفت الفعل بالمثال وبدلالتيه الحدث والزمن، كما عرّفته بشأنه في الإسناد وبعلاماته، وأضفت إلى ذلك الكلام على أزمنة الفعل: الماضي والمضارع والأمر، وعلى الفعل الدائم. ثم انتهيت إلى أبواب الفعل والقياس في بعضها، والخلاف بين إطلاق هذا القياس وقصره على ما لم يُسمع.
وها نحن أولاء نتابع البحث في قياس أبواب الفعل: قياس المتعدّي واللازم، وقياس ما كان ثانيه أو ثالثه من حروف الحلق، وما جاء مضاعفاً أو كان من أفعال المغالبة، ثم نختم الفصل بالكلام على شأن الفعل في التعبير فنأخذ منه بنصيب، استيفاء للبحث واستجماعاً لأصوله.
ميز قياس الفعل المتعدّي من اللازم
في مضارع فَعَلَ المفتوح العينفرّق جماعة في قياس مضارع (فَعَل) بفتح العين، بين المتعدي واللازم من الأفعال، فجعلوا (يفعلُ) بالضم قياساً للازم و (يفعِلُ) بالكسر قياساً للمتعدي.
قال ابن جني في (المحتسب- ١/٢٨١) : "ومن ذلك قراءة الأشهب العقيلي: فاجنح لها، بضم النون، - الأنفال /٤٢- قال أبو الفتح: حكى سيبويه جنح يجنح بالضم، وهو في طريق ركد يركد وقعد يقعد وسفل يسفل، بضم عين مضارعها، في قربها ومعناها. ويؤيد ذلك أيضاً ضرب من القياس وهو أن جنح غير متعد، وغير المتعدي الضم أقيس فيه من الكسر، فقعد يقعد أقيس من جلس يجلس، وذلك أن يفعل بالضم باب لماضيه فعُل بالضم نحو شرف يشرُف. ثم أُلحق به قعد. وباب يفعِل بالكسر باب لما يتعدى نحو ضرب يضرب بالكسر، فضرب يضرب إذا أقيس من قتل يقتل، كما أن قعد يقعد أقيس من جلس يجلس، وقد تقصيت هذا الفريق في كتابي المنصف - ص /١/ ١٥٨- وما بعدها". وأكد ابن جني مذهبه هذا في الخصائص أيضاً (١/٣٨٥-ط/ ١٩١٣) .
وقال ابن يعيش في شرح المفصل (٧/١٥٣) : "وقيل أن الأصل في مضارع المتعدي الكسر نحو يضرب، وأن الأصل في مضارع غير المتعدّي الضم نحو سكت يسكت وقعد يقعد، هذا هو مقتضى القياس". ثم استدرك فقال:"إلا أنهما قد يتداخلان فيجيء هذا في هذا، وربما تعاقبا على الفعل الواحد نحو عرش يعرش بالكسر ويعرش بالضم، وعكف يعكف بالكسر ويعكف بالضم، وقد قرئ بهما".
ما يستحب الأخذ به من قياس مضارع فعَلَ المفتوح العين
إذا كان متعدياً أو لازماً
ويمكن أن يقال بعدما تقدم من الكشف عن مختلف المذاهب في قياس مضارع فعل المفتوح العين أن المستحب أن ينظر إلى المضارع فإذا عرف فيه الكسر أو الضم أخذ به سماعاً، على أن يضاف إلى هذا وجه من القياس.