للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقول المصدر جنس لفعله كما ذكر ابن جني، فهو يدل إذاً على الحدث من حيث تعلقه بفاعله، ولكن على وجه العموم والإبهام. فإذا صح هذا فالمصدر لا يثنى ولا يجمع، لا لأنه يتناول الجنس والجنس يدل على القليل والكثير فحسب، بل لدلالته على الحدث المتعلق بفاعله من حيث هو حدث أيضاً، قال صاحب الكليات (٣٢٥) : (وعدم تثنيته وجمعه، أي المصدر، لا لكونه اسم جنس، بل لكونه دالاً على الماهية، من حيث هي هي، وإلا كان الأصل في اسم الجنس ألا يثنى ولا يجمع، ولم يقل به أحد) ! أقول ليس الأمر على ما ذكره أبو البقاء الكفوي، ذلك أن الأصل اسم الجنس ألا يجمع لأنه يدل على القليل والكثير، لكنه إذا جمع فقد عُدل بدلالته هذه. فالتمراسم جنس، فإذا جمعته على (تمور) فذلك لاختلاف أنواعه، وبذلك يكون قد جُذب من الجنس ودلالته العامة وشموله، إلى النوع ودلالته المحددة وخصوصه، فأمكن جمعه قال صاحب المصباح (لأن الجنس لا يجمع في الحقيقة، وإنما تجمع أصنافه. والجمع يكون في الأعيان كالزيدين، وفي أسماء الجنس إذا اختلفت أنواعها كالأرطاب والأعناب والألبان واللحوم، وفي المعاني المختلفة كالعلوم والظنون) . فالمصدر إذا حدّ بما ذكرناه فلا سبيل إلى جمعه البتة سماعاً أو قياساً، لكنه إذا عُدل به عما وضع له، كأن يخرج به عن دلالته الجنسية، أو حدثه المتعلق بالفاعل، جاز جمعه في الأصل، قياساً على الأسماء عامة. وسترى أن كل ما جمعوه من المصادر وتأولوا له بالسماع واختلاف الأنواع، هو من قبيل ما خرجوا به عن جنسه أو حدثه العام الصادر عن الفاعل. فليس جمعه إذاً على الشذوذ أو الندرة كما ذهب بعضهم، وإنما لما زال عنه عارض المنع من الجمع عاد له حكمه الذي يقتضيه حال الأسماء في الأصل.

<<  <   >  >>