قال الجرجاني فيما حكاه المصباح (ولا يجمع المبهم إلا إذا أريد به الفرق بين النوع والجنس، وأغلب ما يكون فيما ينجذب إلى الاسمية نحو العلم والظن، ولا يطرد) .والغلبة التي أشار إليها الجرجاني قياس لا ينكسر. وتصحيح قوله أن كل ما جمع فقد انجذب إلى الاسمية. وعلى ذلك قول صاحب المصباح:(وإن لم يُسمع عللوا أن المصدرباق على مصدريته) وليس قول الأئمة فيما جمع أنه مصدر إلا على الاعتداد بالأصل. وإلا فليس المصدر مصدراً بلفظه وحسب، وإنما هو مصدر بدلالته، ودلالته التي تتناول جنس الفعل وحدثه العام المبهم الصادر عن فاعله، فإذا تخلفت عنه الدلالة، تخلف معها ما تقتضيه من امتناع جمعه، فجُمع.
التضاعف والأثناء:
وانظر إلى ما قاله ابن يعيش في قول الزمخشري من خطبة المفصل:(ثم إنهم في تضاعيف ذلك يجحدون فضلها) ، قال: "التضاعيف جمع تضعيف، وهو مصدر ضعفته إذا أردت مثله أو أكثر) . وقال (وإنما جمع، والمصدر لا يثنى ولا يجمع، لأنه أراد أنواعاً من التضعيف مختلفة، كما يقال العلوم والأشغال) . فانظر كيف جعل (التضعيف) مصدراً فذكر بهذا حاله الأولى، على شهرته في انفكاكه عنها، وغلبة اسم الذات عليه. فالتضاعيف هي الغضون والأثناء. قال صاحب الأساس (وكل شيء ثني بعضه على بعض أطواقاً، فكل طاق من ذلك ثني، بكسر الثاء، حتى يقال أثناء الحية لمطاويها) . وقال الجوهري (والثني واحد أثناء الشيء، أي تضاعيفه ... والثني من الوادي والجبل منعطفه، وثني الحبل ما ثنيت) . وقال المرزوقي في شرح ديوان الحماسة (٥١٤) : (ويقال ثنيت الشيء ثنياً ثم يسمى المثني ثنياً، بكسر الثاء، وما ثني به هو أيضاً ثنياً) .
هذا وإذا قلنا إن المصدر قد ينتهي به الاستعمال إلى الاسم، اسم الذات أو اسم المعنى، فلابد من التنبيه على أن اسم الذات في الأصل أعرق في النشوء وأسبق، من المصدر الدال على حدث الفعل وجنسه، من حيث التوالد اللغوي وتكامله.